البؤساء

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

مسيرات مستمرة لا تتوقف، قوامها عشرات الآلاف من البشر من الشباب والنساء والأطفال، الهاربين من بلاد منكوبة بالحروب والنزاعات الدامية والفقر والمجاعات، يهربون من أشباح الموت المحدق، ويتطلعون الى شواطئ الأمان والاستقرار، ثم ينتهي بهم المطاف طعاماً للأسماك في قاع البحار، ولا يجدون حتى مقابر لائقة تضم أجسادهم المنهكة، ولا يبكي عليهم أحد.

 إنهم بؤساء العصر الحديث الذي يمكن أن نسميه عصر المهاجرين من دون أن يكون في ذلك أي مبالغة.

 فقد بلغ عدد المهاجرين في عام 2020 مثلاً، زهاء 281 مليوناً، ومثلوا نسبة 3.6 في المئة من سكان العالم.

 وكشف أحدث تقارير الأمم المتحدة أن أكثر من 3000 شخص قضوا أو فُقد أثرهم أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، للوصول إلى أوروبا في عام 2021 وحده. وطالب التقرير بتحرك عاجل لمنع فقدان أرواح المزيد من اللاجئين والمهاجرين الساعين للوصول إلى أوروبا.

 ومن الواضح أنه لا الأهوال التي تواجه المهاجرين في رحلاتهم المرعبة للوصول إلى أوروبا، ولا حصيلة الوَفَيات المخيفة التي تلحق بهم، قادرة على ردع هذه المسيرات البشرية التي ما تنفك تتنامى وتتزايد، لأن ما يهربون منه أشد رعباً، وما يتطلعون إليه يفتح أبواباً أكبر للوعد والأمل.

 وحسب دراسات الهجرة الحديثة، فإن التحركات البشرية تدفعها عوامل قسرية؛ تتمثل في زيادة حجم الكوارث والتحديات الاقتصادية والفقر المدقع أو الصراعات والحروب الأهلية المدمرة. هذه العوامل إضافة إلى تأثيرات سوء الإدارات الحكومية والفساد ما تزال موجودة وتتفاقم وتدفع بالمزيد من الأشخاص إلى الفرار والهروب من بلادهم.

 والموت ليس هو المصير الوحيد الذي يواجه المهاجرين؛ إذ إن هناك محظوظين تمكنوا من عبور الجدار الأوروبي في أوقات وظروف مختلفة، ووجدوا استقبالاً لائقاً، وتحققت أحلامهم في الهجرة والنزوح. إلا أن آخرين أقل حظاً واجهوا مصيراً مجهولاً حتى بعد وصولهم أحياء إلى الشواطئ الأوروبية.

 وتقول تقارير المنظمات الإنسانية الناشطة في مجال إنقاذ المهاجرين: إن وصول ناجين من أهوال البحر إلى أوروبا لا يعني نهاية الكابوس بالنسبة لهم، لأنهم يقعون ضحايا لسلسة مختلفة من انتهاكات حقوق الإنسان، ويخضعون للاحتجاز المطول والتعسفي، ويعجزون عن الحصول على الرعاية الصحية الجسدية والعقلية، والسكن اللائق والغذاء.

 وكل ذلك قد يشكل مطالب هامشية بالنسبة للخطط الأكثر مرارة عندما تقرر الحكومات الأوروبية إغلاق أبوابها أمامهم، ورفض منحهم حق اللجوء الذي يتيح لهم حق الحياة الكريمة والعمل. وفي المقابل تقدم الحكومات الأوروبية لهؤلاء التعساء خيارات إعادتهم إلى بلدانهم التي فروا منها، أو حجزهم في معسكرات ومعازل بشرية نائية. وهي خطط واستراتيجيات مخالفة تماماً لإعلان نيويورك الموقع في عام 2016 الذي يدعو إلى حفظ كرامة المهاجر ودعمه وتعزيز فرصه في البقاء.

 ولكن بين ما تقوله المواثيق وما يحدث فعلاً على الأرض تبقى الحقيقة الماثلة حول أنه «ليس هناك الكثير من المستجدات فيما يتعلق بالهجرة سوى أن المأساة لا تزال مستمرة، وأعداد المهاجرين الغرقى آخذة في الارتفاع».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"