فيزياء البعوض وموسيقاه

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ستعجل بالقول إنها دعابة؟ صحيح أن الصورة لا يمكن أن تصير واقعاً إلاّ في الرسوم المتحركة وما شاكلها، لكن المعلومات حقائق علميّة بلا منازع. نحن اليوم في عصر الذكاء الاصطناعي وعجائب «ميتافيرس»، وغداً تأتي التقانات والعلوم بما لا تتصورون. لك أن تتخيّل بعوضة تزور فرقة موسيقى كلاسيكية، يستعد أعضاؤها للتمارين على سيمفونية، تخاطبهم في الميكروفون: أرجو ضبط وترياتكم على طنيني. سيضحكون قطعاً حتى يقعوا من على كراسيّهم. لكنها مع قهقهاتهم، ستعطيهم درساً في فيزياء الموسيقى وموسيقى الفيزياء، فالدعابة في العلم يجب أن تكون حقيقة علميّة. الطرافة قيمة مضافة.
في الفيزياء والموسيقى وعلم الصوتيّات والكهرباء، توجد مصطلحات مشتركة. منها: التردّد الأساسي (فوندامونتال فريكوانسي)، والتوافق (هارمونيك)، الأخير هو أن يكون تردّد الموجة ضعف التردّد الأساسي أو أضعافه، ثلاثة، أربعة... في الفرق الموسيقية، جرت العادة على ضبط الوتريات (الدوزان) بوساطة الشوكة الرنّانة (ديابازون، معدني يشبه حرف واي في الإنجليزية)، ورنينها الدرجة الصوتية «لا»، وتردّدها الأشهر 440 هرتزا. ها قد وصلنا إلى البعوض فنّاً وعلماً.
في سنة 2017، عكف فريق من علماء الميكانيكا الحيوية، البريطانيين واليابانيين، على رصد حركة أجنحة البعوض بالأشعة ما دون الحمراء، وثماني كاميرات فائقة السرعة (عشرة آلاف صورة في الثانية)، فاكتشفوا أنها أسرع أربع مرات، في الأقل، من كل الحشرات المساوية حجماً. الأعجب هو أن الأجنحة تهتز بتلك السرعة (700 رفرفة في الثانية) فوقاً وتحتاً، مع الدوران في آن لتساعد على حمل جسمها، ما يولّد الطنين الحاد المزعج حين نريد النوم.
اللعبة الفيزيائية الموسيقية الكبرى هي أن الأنثى والذكر ليسا متساويين في ترددات الجناحين. فصائل البعوض أيضاً بينها تفاوتات في ذلك. تُراوح تردّدات الإناث بين أربعمئة وخمسمئة هرتز. تردّدات الذكور بين ستمئة وسبعمئة. لنأخذ فصيلة تردّدات الإناث فيها 480 هرتزاً، والذكور 710 هرتز. من دون دروس في فيزياء الذبذبات، حين تكاد تضيء النار بين جوانح الذكر والأنثى، يعملان على المزامنة (سنكرونيزيشن)، من غير دراسة في معاهد الموسيقى، تضرب الأنثى تردّدات جناحيها في ثلاثة، أي 1440 هرتزاً، ويضرب الذكر تردداته في اثنين، أي 1420: «نظرة فابتسامة فسلام». أمّا إذا كانت الأنثى في غنى عن التعارف (حبلى) لم تغيّر تردداتها (480 لا تتزامن مع710)، فتتعذر المزامنة، فينكر الخل خلّه، ويتلاقيان لقاء الغرباء.
لزوم ما يلزم: النتيجة المعرفية: تضاف هذه الشذرات إلى «بعوضة فما فوقها»، فإنها من بدائع الخلق.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"