الصحافة في يومها العالمي

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

مرّت قبل أيام مناسبة اليوم العالمي للصحافة بلا صحفيين وبلا تعليقات صحفية، في وقت تشهد فيه مهنة المتاعب، أو صاحبة الجلالة حزمة شرسة من التحدّيات. ولكن قبل الإدلاء بهذه الأفكار المتواضعة حول مهنة الورق الأرقى والأنبل بين مهن البشر أود الإشارة إلى وصف «مهنة المتاعب» ولا أدري من أطلق هذا الوصف على الصحافة، ولكن يبدو أنه صحفي ميدان أولاً، أو صحفي وثائق وقنوات صعبة تؤدي إلى المعلومات والصور والاعترافات، وما عدا ذلك فالصحافة مهنة رائعة، وما زال الصحفيون حتى اليوم يحظون باحترام القرّاء والأفراد الاعتباريين والمؤسسات المدنية المحترمة في العالم. 
 ما إن يسألك أحدهم عن عملك أو عن مهنتك، فتخبره على خجل أو حرج أنك صحفي حتى يبدي إعجاباً ظاهراً على وجهه ينطوي على شيء من لمس خصوصيتك الشخصية أو المهنية لديه، وهذا في حدّ ذاته شيء جميل، وبخاصة حين تلقى هذا الاحترام من الأشخاص الشعبيين البسطاء، وهؤلاء قرّاء صحف بمحبة وإعجاب، وبخاصة قرّاء جرائد الستينات والسبعينات والثمانينات حين كانت الجريدة واحدة من علامات الوعي والثقافة، وكانت أيضاً في زمنها الذهبي ذاك من اليوميات الحميمة للناس في العائلة والمقهى والفضاء الاجتماعي العام. 
 شيء من هذا القبيل يذكر ولو من باب الحنين العاطفي في يوم الصحافة العالمي، ولكن بهذه المناسبة التي أهملها من هم أولى بالحديث فيها، سأدع الكلمات الكبيرة الفخمة أحياناً، والمخيفة أحياناً أيضاً مثل حرية التعبير، وديمقراطية الصحفي وغير ذلك من مصطلحات تحاول تمييز المهنة وتمييز أصحابها وكأنّهم يجب عليهم أن يكونوا مختلفين عن أصحاب باقي المهن، وهم كذلك مختلفون، ولكن علينا أن ننتبه إلى خصيصة الغرور في هذه المهنة، فما إن يمرض الصحفي بالغرور والاستعلاء والامتيازية المهنية الاجتماعية حتى يتحول فوراً الى طاغية صغير منفوخ بذاته النرجسية، ومرة ثانية، هناك بالطبع طواويس صحفية محدودة، وفي مقابل كل هذا الريش الصحفي المغرور، هناك صحفيون متواضعون توضع أقلامهم على الرؤوس. 
 سأدع المصطلحات الرغوانية الفخمة المحيطة بمهنة الصحافة، وأتحدث عن المهنة فقط إن أمكن أن أدلي بدلوي تحديداً عن الصحافة الميدانية، والصحفي الميداني، وما يمكن أن يساعد هذا النوع من الصحافة في إنقاذ صحافة الورق ممّا يهدّدها من تحدّيات أصعبها بل أسوأها التوقف عن الصدور. 
 اختفت من الصحافة العربية مهمّة صحفي الميدان أو المراسل الصحفي أو الصحفي المبتعث من جريدته للسفر إلى مناطق الحدث وتغطيته هناك تغطية ميدانية حيّة لمصلحة جريدته. 
 إننا نادراً جداً ما نقرأ رسائل صحفية من مهنيين مبتعثين إلى مناطق ساخنة سياسياً، أو جميلة سياحياً، أو ثقافياً ومتفوّقة اقتصادياً، بحيث يكتب الصحفي مادة حيوية تماماً ليست أرشيفية وليست موقعة باسم مؤسسة أو جهة في حدّ ذاتها. 
 الكلام على صحافة الميدان يطول في هذا اللحظة، غير أن المادة الصحفية الميدانية المكتوبة بروح مهنية ذكية، وبقلم وصفي قصصي جميل تساعد على بقاء الجريدة على قيد الحياة، فالمادة الميدانية لا يمكن أن تحصل عليها الصحافة الإلكترونية المكتبية المغلقة بالكمبيوتر والإنترنت في مكتب بارد. 
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"