أمريكا وروسيا والحرب بالوكالة

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

كما الفواعل من غير الدول تقوم بدور الوكالة في سياسات الدول، فهناك دول تقوم أيضاً بنفس الدور لتحقيق مصالح الدول الأخرى. وفي حال الولايات المتحدة وروسيا هناك واشنطن تتمسك بأحادية قوتها العالمية، وموسكو تسعى لكسر هذا الاحتكار، وكلتاهما قوتان نوويتان وتتقاربان في هذه القوة. ومن هذا المنظور، فإن الحرب المباشرة بينهما مستبعدة، لأنها قد تدفع للمواجهة النووية التي فيها فناء كل منهما، ولعل أزمة كوبا عام 1961 هي المثال الواضح على ذلك. واليوم يتكرر السيناريو نفسه، فالولايات المتحدة تلجأ لخيار العقوبات الاقتصادية التي في حالة روسيا قد لا تحقق أهدافها نظراً لدرجة الاعتماد المتبادل بين روسيا وعدد كبير من الدول.

 الولايات المتحدة تعتمد خيار تزويد أوكرانيا بالسلاح والدعم المالي حتى تستمر في دورها بالتصدي للجيش الروسي وإنهاك قوته، على أمل تحقيق هدفين، الأول إمكانية الانقلاب على الرئيس بوتين، والثاني تورط روسيا في المستنقع الأوكراني تكراراً لسيناريو أفغانستان، فتفقد روسيا الكثير من قدراتها التي تبعدها عن المزاحمة على قمة النظام الدولي.

 والحرب الحقيقية هي بين الولايات المتحدة وروسيا بتأكيد التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي بايدن ووصف الرئيس بوتين بأنه «مجرم حرب». 

 كان بمقدور الولايات المتحدة أن تمنع الحرب قبل اندلاعها بالتفاوض والاستجابة للمطالب الروسية، وحتى بعد اندلاع الحرب، فبدلاً من احتوائها، تعمل الولايات المتحدة على استمرارها، بتقديم كل العون العسكري والمالي لأوكرانيا. وبحسب فيونا هيل الخبيرة في شؤون روسيا «كنا مشوشين بشأن أوكرانيا.. ونحن بحاجة لتقديم رؤية مقنعة حول أهمية أوكرانيا». اليوم تصور الولايات المتحدة المعركة على أنها بين الديمقراطية والشمولية. وهذا يعطي المعركة البعد الثقافي والإيدولوجى. وقد وصفها الرئيس بايدن نفسه بأنها تشكل تحدياً للنظام الدولي. 

ولذلك فرضت الولايات المتحدة عقوبات لم يسبق فرضها على روسيا، وأرسلت وزيري خارجيتها ودفاعها إلى كييف للتعرف إلى حاجاتها الدفاعية. وكما جاء في تقرير «نيويورك تايمز» فإن إدارة بايدن اكتشفت أهمية أوكرانيا الاستراتيجية منذ استقلالها عام 1991، في وقت حاولت فيه روسيا الحصول على موطئ قدم. وبعد استقلالها وافقت أوكرانيا على التخلص من قوتها النووية. واعتبر الرئيس كلينتون أن الاتفاق يعتبر تاريخياً ويحمل الأمل لتحسين الأمن العالمي. إلا أن الرئيس الأوكراني وقتها ليونيد كوتشما حذر من أنه سيجعل بلاده عرضه لمزيد من المخاطر. 

وفي الوقت ذاته كانت السياسة الروسية تقوم على دعم التيارات الانفصالية في القرم، ثم قامت بضمها، وكرد فعل، لم يقم الرئيس أوباما بما هو مطلوب إلا بفرض بعض العقوبات. وإن قدمت إدارته مساعدات مالية بقيمة 1,3 مليار دولار ما بين 2014-2016، لكنه رفض تقديم السلاح لكييف. وجاء التحول مع انتخاب فلودومير زيلنسكي رئيساً في إبريل 2019. والملفت في الموقف الأمريكي في عهد إدارة الرئيس ترامب، حيث تغلبت مصالحه الشخصية على ما عداها، مطالباً بفتح تحقيق مع ابن الرئيس بايدن لاستثماراته في أوكرانيا. وأوقف الكونجرس مساعدات مقدمة لأوكرانيا ب390 مليون دولار. والآن كما نرى فإن إدارة بايدن تحاول تصحيح سياسات ترامب، فأقفلت كل أبواب الحوار مع روسيا لتترك أوكرانيا تقوم بدور الوكالة لإجهاض القوة الروسية. ثم السعي لتوحيد التحالف الغربي في الحرب، والحيلولة دون السماح بانتصار الرئيس بوتين. 

 ويبقى أن هذه الحرب يدفع ثمنها الشعب الأوكراني الذي دُمِّرَت منازله، وتحول إلى لاجئين. فمن سيعوض أوكرانيا الدولة والشعب؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"