تحقيق: سومية سعد
في شهر رمضان المبارك تنتشر ظاهرة التسوّل ويسعى كثير من المتسوّلين إلى اغتنام الفرصة وتحويل شهر الرحمة إلى موسم لجمع المال، وبعضهم يتخذون التسوّل مهنة، ويطورون حيلها بعد انكشاف الحِيَل التي كان يتّبعها المتسولون قديماً، مثل اصطناع العاهات والتقارير الطبيّة المزوّرة وغيرها من الوسائل القديمة، وراحوا يبحثون عن وسائل جديدة، عبر تكنولوجيا الجيل الرابع، من خلال مواقع التواصل، ويرسلون الرسائل النصّية ورسائل البريد الإلكتروني و«واتس أب» و«فيس بوك».
استخدم البعض أسلوباً جديداً للتسوّل، عبر رسائل يبعثون بها على مواقع التواصل، ويطلبون فيها مساعدات ماليّة، وهي وسيلة جديدة ابتكرها بعضهم، للاستيلاء على أموال المواطنين، مستغلين حبّهم لفعل الخير.
وقال عدد من أفراد المجتمع ل«الخليج»، إن هذه الرسائل أصبحت تأتي يومياً إليهم يبعثها متسوّلون عبر مواقع التواصل، والبريد الإلكتروني، وتتضمن روايات ملفّقة، والتسوّل انتقل أخيراً من الواقع إلى العالم الرقمي، لسهولة استخدام التكنولوجيا الحديثة، وانخفاض خطر الضبط الذي يواجه المتسوّل من السلطات المختلفة.
وحذر أفراد المجتمع من تحول التسوّل إلى مهنة لها أساليب وطرائق كثيرة في التعامل مع المتصدقين، لاستدرار عطفهم واستنزاف أموالهم، وأكدوا أن الشرطة تولي اهتماماً كبيراً بتعزيز الأمن المجتمعي، ومحاربة الظواهر السلبية.
في البداية يقول حسن علي، إنه تلقى 4 رسائل عبر «فيس بوك» وأخرى عبر «واتس أب»، منها رسالة من سيّدة زعمت أنها أرملة، ولا تملك قوت أولادها، ورسائل من أشخاص يطلبون أموالاً بطرائق وحيل منها «مريض ولا يستطيع تدبير تكاليف العلاج».
ويقول يوسف العميل: اتصل بي أحدهم عبر «فيس بوك» وحاول استعطافي، مؤكداً أن أسرته لا تملك قوت يومها، وعندما لم أستجب له أرسل بياناته عبر رسالة، فقررت الامتناع عن الردّ أو التجاوب مع أيّ اتصالات أو رسائل نصية خارجية تأتي من أرقام غريبة لا أعرفها.
عدم التجاوب
ودعت لين جردانة، إلى عدم التجاوب مع أيّ اتصالات أو رسائل نصية خارجية، تأتي من أرقام غريبة لا يعرفونها، خاصة من المتسوّلين عبر الوسائل التكنولوجيّة الحديثة، وتأليف قصص مختلقة لإدرار عاطفة الناس عليهم.
وأكّد عبد المجيد البلوشي، أنّ الكثير من المواطنين والمقيمين يتلقون كمّاً كبيراً من هذه الرسائل يومياً، أو أسبوعياً، على هواتفهم من متسوّلين، ونصح الجميع بالانتباه إلى مثل هذه المحاولات.
وتقول حمدة المر: استخدام هذه الوسيلة لتحقيق دخل مادي عند بعض من امتهن التسول، وأتقن طرائق إقناع الناس بطلبه بأساليب عدّة، ومنها العزف على وتر العاطفة، بأساليب متنوعة، وقد يجمع ثروة كبيرة من وراء هذا الاحتيال.
الحملات الأمنية
قال العميد جمال سالم الجلاف، مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية: الإدارة تضع خطة أمنية متكاملة لمكافحة التسوّل، بتكثيف الدوريات في الأماكن المتوقع وجود المتسوّلين فيها، كما أطلقت حملة «التسوّل مفهوم خطأ للتراحم»، التي أسهمت في خفض أعداد المتسوّلين سنوياً، نظراً للإجراءات الصارمة حيال المتسوّلين المضبوطين، إذ أسفرت الحملة خلال العام الماضي، عن ضبط 458 متسوّلاً، بواقع 311 من الذكور، و147 من الإناث من مختلف الجنسيات.
وأوضح أن هناك جهات رسمية وهيئات وجمعيات خيرية، يمكن لأي شخص اللجوء إليها، لطلب المساعدة المالية أو للحصول على «إفطار صائم»، وغيرها. لافتاً إلى أن هناك أشخاصاً يعللون سبب تسوّلهم بحاجتهم للمال، وهذا الأمر يعاقب عليه القانون الاتحادي، وفق المادة رقم 5 لسنة 2018، لمكافحة التسوّل وإحالتهم للقضاء.
ودعا العقيد أحمد العديدي، مدير إدارة المتسللين بالنيابة في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية، إلى عدم الاستجابة لاستجداء المتسوّلين، أو التعامل معهم بمشاعر الشفقة والعطف على مظهرهم، ومساعدة أجهزة الشرطة بالإبلاغ الفوري عن أي متسوّل يرصد في أي مكان، على مركز الاتصال 901، أو خدمة عين الشرطة عبر التطبيقات الذكية لشرطة دبي، وخدمة /ECrime/، للإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية
وطالب النقيب عبدالله الشحي، نائب مدير إدارة المباحث الإلكترونية في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية، أفراد المجتمع بالإبلاغ عن هذه الرسائل وتجاهلها، وعدم الانسياق وراءها أو تصديقها، والإبلاغ عنها عبر خدمة E-Crime المعنية بتلقي بلاغات الجمهور المتعلقة بالجرائم الإلكترونية بسلاسة ويسر، عبر العنوان الإلكتروني www.ecrime.ae.
الوعي والمكافحة
وقال العميد أحمد ثاني بن غليطة، مدير مركز شرطة الرفاعة: إن المركز في كل عام يشارك في حملات مكافحة التسوّل، التي تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر ظاهرة التسوّل والحفاظ على أمن المجتمع واستقراره، إضافة إلى ضبط المتسوّلين في الأماكن العامة، بتشكيل فرق العمل بالتعاون مع إدارة المتسللين والإدارات الأخرى في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية، وتوزّع الفرق لرصد الظواهر المقلقة في شهر رمضان، ومن ضمنها رصد مواقع تمركز المتسوّلين في منطقة الاختصاص لضبطهم.
العميد طارق تهلك، مدير مركز شرطة نايف يقول: إن المركز في كل عام يشارك في حملات مكافحة التسوّل، التي تهدف إلى تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر ظاهرة التسوّل والحفاظ على أمن المجتمع واستقراره، وضبط المتسوّلين في الأماكن العامة، عبر تشكيل فرق العمل، بالتعاون مع إدارة المتسللين والإدارات الأخرى في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية، وتوزّع الفرق لرصد الظواهر المقلقة خلال شهر رمضان، ومن ضمنها رصد مواقع تمركز المتسوّلين في منطقة الاختصاص لضبطهم أولاً بأول.
الجانب الاجتماعي
محمود أبو العز،اختصاصي اجتماعي يؤكد أن لظاهرة التسوّل انعكاسات كثيرة على المجتمع، حيث يرسل بعض ضعاف النفوس رسائل عبر مواقع التواصل، أو جلب أشخاص لديهم إعاقات جسمية للتأثير في الناس لطلب المساعدة وإثارة شفقتهم، إلى جانب استخدام بعضهم للأطفال، وسيلة لاستجداء تعاطف الناس، لاسيما في رمضان المبارك.
وقالت المحامية علياء العامري: طبقاً للمادة 476 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 31 لسنة 2021 بإصدار قانون الجرائم والعقوبات التي نصت على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم، كل من أدار جريمة التسوّل المنظم التي ترتكبها مجموعة منظمة من شخصين، أو أكثر. ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من يستقدم أشخاصاً للدولة ليستخدمهم في جريمة التسوّل المنظم.
ويأتي نشر هذه المعلومات في إطار حملة النيابة العامة للدولة المستمرة، لتعزيز الثقافة القانونية ونشر جميع التشريعات المستحدثة والمحدثة في الدولة، ورفع مستوى الوعي.
المتسوّل والمحتاج
وقال الدكتور أحمد الحداد كبير المفتين، مدير إدارة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي: يجب التفريق بين المتسوّل والمحتاج، وأصول التعامل معهما، ومهنة التسوّل لا تجوز شرعاً، وسؤال المحتاج للناس طلباً للمساعدة لا يكون إلا عند الضرورة والحاجة الماسّة، وفق ضوابط معينة، وفي حال علم الشخص أن المتسوّل غير محتاج ويتخذ التسوّل حرفة له، فإن عليه ألا يعينه على فعل الحرام، بل ينهاه بلطف ويرشده إلى التعفف. ودعا الحداد المجتمع إلى التعاون على ذلك، امتثالاً لتوجيهات قادة الإمارات لصيانة المجتمع، لاسيما مع وجود جهات اجتماعية متخصصة ترعى المحتاجين، مشدداً على عدم جواز دعم المتسوّلين وإعانتهم على فعل ما نهى عنه الدين.
