الدفاع المستدام

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

هناك قرارات مفصلية في تاريخ الشعوب، يتخذها قادة مميزون يتخذون التفكير المستقبلي منهجاً لبناء دولهم وتطوير مجتمعاتهم وحمايتها واستدامة أمنها واستقرارها. والتفكير المستقبلي في حالتنا هذه هو تفكير جماعي يتلوه عمل جماعي. ففكرة اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة استندت إلى منهج التفكير المستقبلي، وبالتالي يمكننا إدراج كل ما تلاها تحت هذا النهج الذي يثبت التاريخ يوماً بعد يوم جدواه وأهميته. فكل إنجاز تحقّق انبثق في الأصل من هذا التفكير، والدليل هو استدامة الإنجاز وتطوّره وتقدّمه عن طريق العقلية الابتكارية والأساليب الإبداعية.

 كانت الخطوة الأولى لبناء دولة هي الإيمان بفكرة الوحدة والتآزر والعمل الجماعي والتفكير المستقبلي، فكانت دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1971 ثمرة لهذه الاستراتيجية، وكياناً يجمع ولا يفرّق، يبني ولا يهدم، يطوّر ولا يستكين. وكان لا بد من قوة تحمي الفكرة، فتم اتخاذ قرار بتوحيد القوات المسلحة في العام 1976، وكان القرار جماعياً بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، ومعه حكام الإمارات وأولياء العهود والقيادات والشعب. وبما أن القرار استند إلى فكرٍ استراتيجي مستقبلي، فقد تحققت الاستدامة ومعها التطور والتقدم والتميز، حتى صار للإمارات قوة مسلحة، برية وبحرية وجوية، يُعتمد عليها في صون الفكرة الرئيسية المتمثلة بالاتحاد.

 قد يكون السرد التاريخي لمراحل الإنجاز سهلاً ويسيراً، إلا أن من عايش مراحل التغيير والبناء، والتطوير والتقدم، وحده يدرك الجهد الذي بُذل، تخطيطاً وتمويلاً وتدريباً وتسليحاً وتوعية، ويدرك التوازن الاستراتيجي السياسي الذي شكّل مدرسة في القيادة، من حيث العمل في منطقة مشحونة بالأزمات والتحالفات والسياسات المتباينة، فاتخاذ قرار التسليح سهل، لكن اختيار المصدر عملية صعبة في ظل التجاذبات والتحالفات. ونعود إلى منهج التفكير المستقبلي الذي يجب تطبيقه في اختيار مصادر التسلّح وحيازة الأنظمة المتطورة، لأنه يرتبط بفكرة الاستدامة، صحيح أن من يملك المال يسهل عليه الاختيار، لكن المال وحده لا يكفي، ولا بد من عين بصيرة ويد طولى في العلاقات الدولية. وقد نجحت الإمارات في الحفاظ على تحالفاتها الرئيسية، وفي الوقت ذاته، في تنويع مصادر التسلّح، حتى لا تعتمد على مصدر واحد. وتحاول الإمارات منذ سنوات الخروج من وجع رأس التحالفات عن طريق التصنيع الحربي المحلي، لتحقّق نسبة من الاكتفاء الذاتي، وهي نجحت في بعض المجالات، وأصبحت تصدّر بعض أنواع الأسلحة والأنظمة الحربية، وهو ما يمنحها قوة فوق قوتها، واطمئناناً مستقبلياً ستدركه الأجيال اللاحقة، كما تشعر به أجيال اليوم.

 ولم تكتف الدولة بالعلاقات المحدودة في هذا المجال، فانطلقت عالمياً من خلال معارض عسكرية دولية، مثل معرضي «آيدكس» و«نافدكس»، ومعرض دبي للطيران ومعرضي «يومكس» و«سيمتكس»، وما يصاحبها من ورش عمل تتعلق بالعلوم العسكرية والأنظمة الدفاعية والتدريب، فتحولت الإمارات إلى مركز عالمي لعرض آخر ما توصلت إليه العلوم والصناعات العسكرية.

 إن قوة الإمارات العسكرية لا تكمن فقط في عدد الطائرات الحربية وعدد الدبابات والعربات العسكرية وعديد الجنود والضباط، بل بثنائية الولاء والانتماء التي يتمتّع بها الكادر العسكري، من رأس القيادة إلى الجندي، وبالإيمان الكبير بالأخلاق العسكرية ومبادئها، وبالروح المعنوية العالية للمنظومة العسكرية، وبالاستعداد للتضحية بالغالي والنفيس من أجل مجد الوطن. كما تكمن هذه القوة بمشاركة شرائح الشعب كافة، ومن بينها المرأة، التي أعطت نموذجاً في مواجهة التحديات، حتى تحولت إلى عنصر أساس في نسيج القوات المسلحة. أما القوة الأخرى فتتجلى في استعداد الشعب للانخراط في سلك القوات المسلحة، وظهر ذلك في الإقبال الكبير على الخدمة الوطنية من قبل الرجال والنساء.

 نقدّم التهنئة للقوت المسلحة في يوم توحيدها السادس والأربعين، ونترحم على شهدائها الذين سقطوا في ساحات الكرامة والبطولة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"