الطواويس

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

يمشون وكأنه ليس على هذه الأرض غيرهم، طواويس في هيئة بشر، يعتقدون أن كلّ ما في هذا الكون غنيمة لهم، وأن غيرهم من البشر لم يخلقوا إلا ليكونوا وسيلة لخدمتهم، هم مثل النار كلما أكلت لا تشبع، بل تقول: هل من مزيد؟ لتسعير ضرامها وأوارها. وهم لا يشبعهم شيء، يكنزون ويكنزون، وليس للوطن وأهله وناسه من حق لديهم، وليسوا إلا في آخر قائمة الاهتمامات، وإن رأيتهم قدّموا شيئاً، فهو ليس من مالهم الخاص بتاتاً، بل مما يتربّعون عليه من أموال الناس في الجهات التي يرأسونها.

«طواويس» لا يستوعبون قول الباري في سورة «الإسراء» (الآية 37 ) ﴿ولا تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحاً إنّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ ولَنْ تَبْلُغَ الجِبالَ طولاً﴾. ولا يستوعبون درس قارون الذي تعالى وتجبّر وبغى، بسبب ثروته وكنوزه التي ينوء عن حمل مفاتيحها العصبة من الرجال ذوي القوة، فقال سبحانه وتعالى ﴿فَخَسَفْنا بِهِ وبِدارهِ الأرْض﴾.

تكبر وصلف وجبروت وممارسات، لا يكسب فاعلها سوى مقت الخلق، وغضب الخالق وعقابه، تكتشف معها كم هو غريب هذا الإنسان الذي لا يعي أن هناك خاتمة، وأنه إلى زوال، وكفن وقبر لا يتسع إلا لجثته، لا شفيع له فيه ولا أنيس سوى عمله وعطائه وما قدمه في حياته من خير، ليس العطاء المالي فقط، بل الأخلاقي الإنساني، تصرفاً وعملاً وعلماً ومعاملة، وبناء وعطاء للوطن والمجتمع ومعرفة بحقوق الناس.

نعيش في مجتمع ديدن قادتنا، ما لخصه صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في قوله «نحن سلطة لخدمة الناس وليس سلطة عليهم، لأننا نريد تحقيق السعادة لمجتمعنا، وهذا لا بدّ أن يكون سرّ النجاح، وما دمنا في مناصبنا، فعلينا أن نستمر في هذا العطاء». فهل يعي أولئك الذين لا يسمعون ولا يتعلمون هذا القول فيتبعوه، ويساهموا فيه.

ترى كم واحدٍ منهم يمشي بيننا، لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، يظن أن لا أحد قبله ولا بعده، يمشي مختالاً، يبطر الحق ويغمط الناس، لا يستنكف أن يضر هذا أو ذاك لمصلحته، يلوي عنق الحقيقة لتكون على المقاس الذي يريده ويستطيع أن يلبسه، لا يستمع إلا لنفسه، وإن خالفه أحد، فله الويل والثبور وعاقبة الأمور، بطره وخيلاؤه يمنعانه عن رؤية الحق، فهو يعرف كل شيء والأدرى بكل شيء والأعلم من كل أحد والأخبرُ من كل خبير، والأفهم من كل دارس، له في كل حقل باع وفي كل مسألة طول، هو مدرسة قائمة بذاتها تعلّم كل متعلم.

«طواويس» تستطيع أن تتلون بكل ألوان المصلحة والمنفعة الشخصية، وتنسى أنه لن يبقى منها إلا الريش إن بقي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"