تحوّلات النموذج الفكري للإبداع

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل سمات العصر الثقافية تهمّ المثقفين دون غيرهم؟ محال، فالثقافة اقتصاد وعلوم وصحة وأشياء أخرى. منذ القديم كانت الثقافة مقترنة بالتجارة أو موازية، قبل سوق عكاظ. عن العلوم، كان الفيلسوف طبيباً وفلكياً وموسيقياً وعالم رياضيات وأشياء أخرى، قائمة طويلة: هكذا كان الكندي، الفارابي، ابن سينا، ابن رشد. هذا في الحضارة الإسلامية فقط. الكثير من الأدباء كانوا هكذا، الجاحظ أحدهم.
ألا ترى التناقض العجيب بين روائع القمم في الأعمال الكلاسيكية، وبين المسار الانحداري عن الذرى منذ النصف الثاني من القرن العشرين؟ قد تزعجك كلمة «انحدار»، قل إن شئت: انخفاض المنسوب، تقلّص الأحجام والأوزان، التخلي عن «العملقة». 
سيحدث بيننا خلاف في أصول المقارنة، إذا أنت حاولت القول إن الموسيقى الغربية بعد 1950 تطور طبيعي لقمم الموسيقى السيمفونية النمساوية والألمانية والإيطالية. المعري، جلال الدين الرومي، موليير، شكسبير، دوستويفسكي.. عالم آخر. 
سيصعد الصراخ إلى جواب الجواب، إذا رجمتَ ذهني بأن أغاني اليوم امتداد طبيعي للسنباطي ومحمد عبد الوهاب وزكريا أحمد والرحباني.
الغائب الكبير في الثقافة العربية حاضراً، الفكر الثقافي وفلسفة الثقافة. المبحث المطروح في غاية الأهمية: ماذا يعني هذا التحول الثقافي في منظومة القيم الفنية الإبداعية؟ دراسة هذه القضايا ليست يسيرة وعلى أهل الاختصاص في البحث العلمي الثقافي، العكوف على هذه البحوث. الإشكاليات كثيرة. لقد سار المثقفون العرب، مبدعين ونقاداً، خلف المدارس الأدبية والفنية الغربية بعيون مغمضة، من دون أن تكون للعالم العربي علاقة بنمو الحضارة الغربية وتنميتها. 
مثلاً: عندما كانت أوروبا تنتقل من الرمزية إلى الدادية إلى السوريالية وما بعدها، كانت القارة العجوز في قمة البحث العلمي في جميع الميادين، كانت تشهد ميلاد فيزياء الكم على يد ماكس بلانك، ثم نيلز بوهر، ونظرية النسبية لدى أينشتاين، وغيرها، ما يحتاج إلى موسوعة. كانت الحرب العالمية الأولى تهدم أشكال الحضارة، وكانت المدارس الأدبية تهدم أشكال الأدب والفن، لكن العلوم والتقانة كانت تقيم أسس حضارة أو مدنية مختلفة.
العالم العربي لم تكن له صلات بذلك، لكن التبعية للتيارات الغربية كانت على قدم وساق، ولو متأخرة. حسناً، ما هي ملامح التحولات الثقافية في الإبداع الأدبي والفني، العربي مستقبلاً؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشرافية: ما هي الأطر الفكرية التي سترسم ملامح منظومة القيم الفنية والأدبية للإبداع العربي مستقبلاً؟ أم سيكتفي المثقف بالقول: دع ما سيكون أن يكون؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"