التهديدات الأربعة الكبرى للاقتصاد الصيني

22:00 مساء
قراءة 4 دقائق
6

ويليام رودس *

يركز العالم بحق، على الأزمة العسكرية والسياسية الطاحنة بين روسيا وأوكرانيا، وجاء اختيار الصين للوقوف إلى جانب موسكو ليفاقم التوتر ويقطع روابط العولمة. لكن التحديات الاقتصادية لبلاد التنين تتجاوز الحرب، والتهديدات التي تواجه مستقبلها تتزايد في أربعة مجالات مهمة ومتداخلة، هي العقارات والصحة والديون والعولمة.

وفقاً لتقرير يناير الصادر عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، يمثل تطوير العقارات 25% إلى 30% من اقتصاد الصين. ولا يزال التخلف عن سداد الديون بين المطورين الصينيين مستمراً، وقد شهد العام الماضي عدداً قياسياً من حالات التعثر، بدءاً من «إيفرجراند» و«صنشاين 100» والقائمة تطول. وتقدر «ستاندرد آند بورز» أن ما بين 20% و40% من مطوري العقارات الصينيين قد يواجهون تخلفاً محتملاً.

في الحقيقة، يُنذر التعثر في العقارات بالشؤم للاقتصاد ككل. فقد أظهر الاقتصاديون أن معظم فترات الركود إما مرتبطة بالأسهم أو المساكن. وبمجرد أن تهتز أسعار المساكن وتبدأ في الانخفاض، فاعلم أن تأثير الديون هو السبب ومن الممكن أن يتسبب في انهيار الاستهلاك الأوسع.

لم تصل الصين إلى هذا المنعطف الخطر بعد، لكن الدلائل بدأت تشير إلى ذلك. وسيكون من السذاجة الاعتقاد أن القواعد العادية للازدهار الاقتصادي والكساد لا تنطبق أبداً عليها، أو أن نفترض أن السلطات الصينية يمكنها دائماً أن تضبط وبفاعلية الأسعار في جميع أنحاء البلاد إلى أجل غير مسمى. ومع ذلك علينا أن نأمل أن تتمكن الحكومة من إدارة سوق الإسكان بشكل أفضل مما فعل الغرب عامي 2007 و2008.

وفي ما يخص الصحة، ومع اهتزاز أسواق الإسكان في الصين، فإن آثار سياسة مكافحة الوباء المتبعة جعلت الأمور الاقتصادية أسوأ. فسياسة الصين المتمثلة في «صفر كوفيد 19»، والتي تعد أصعب استجابة طبية وصحية عامة للوباء بين الدول، في مأزق حقيقي. يأتي ذلك بعد أن حقق موقف الصين الصارم بشأن الوقاية نتائج مذهلة في ما مضى، حين استمرت عجلة العمل في البلاد بالدوران بشكل خالٍ من الفيروس إلى حد كبير في عامي 2020 و2021. ومع ذلك، ومع تحور الفيروس وانتشاره بسرعة اليوم، قد تكون هذه الإجراءات أكثر تكلفة.

أدى ارتفاع عدد الإصابات في شنغهاي إلى نحو 20 ألف حالة يومياً قبل أسابيع إلى إغلاق المدينة، وفرض الحجر الصحي على 26 مليون ساكن استشاطوا غضباً لهذا الإجراء. ونعلم أن شنغهاي وحدها تسهم بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، عدا عن كونها أكبر ميناء في البلاد.

ويجري العمل على فرض الإغلاق تباعاً في بقية المدن الصينية إن لم تتحسن الأمور، وبالتالي ستظهر الآثار الاقتصادية السلبية لسياسة كوفيد 19، التي تصعب السيطرة عليها، عاجلاً أم آجلاً في الأشهر المقبلة، في الوقت الذي خفّض فيه الاقتصاديون بالفعل توقعات النمو للبلاد.

وإذا ضعف الطلب في الصين، فقد يشعر به الجميع خارجها أيضاً. ومن غير الواضح ما إذا كانت الحكومة الصينية مستعدة أو قادرة على التحول من عدم التسامح المطلق مع الوباء إلى نهج جديد، على الرغم من أن مثل هذا التحول يبدو ضرورياً بشكل متزايد للدول الأخرى.

التهديد الثالث الذي يواجه الاقتصاد الصيني هو الديون والقروض الخارجية المحفوفة بالمخاطر. ففي الوقت الذي يحاول فيه العالم المتقدم احتواء التضخم، نرى أسعار الفائدة آخذة في الارتفاع. ولن تؤدي العديد من القروض التي قدمتها الكيانات الصينية كجزء من مبادرة الحزام والطريق، في بكين، إلى إجهاد الميزانيات العمومية في البلدان منخفضة الدخل فحسب؛ بل إنها ستثقل كاهل البنوك الصينية بالقروض المتعثرة. وهذا بدوره سيؤثر في الأداء الاقتصادي لتلك البنوك التي تعد قنوات رئيسية للاستثمار المحلي الصيني والشركات والاقتصاد. فبحسب تقرير مختبر أبحاث التطوير الدولي الأمريكي (AidData) لعام 2021، أثقلت مبادرة الحزام والطريق الدول النامية بما لا يقل عن 385 مليار دولار من الديون.

وهنا، تواجه الصين ثلاث ديناميكيات سلبية: التخلف عن سداد الديون، والقروض المتعثرة في دفاتر البنوك الكبرى والمقرضين الحكوميين، والأضرار الجانبية التي ستلحق بالمصالح الدبلوماسية والجيوسياسية إذا استولت الصين على أصول الدول كجزء من شروط قروض مرهقة في بعض الأحيان.

في عام 2022 ستتعلم القيادة الصينية أنه ليس كل إقراض هو سياسة ذكية. حتى لو بدا الأمر مفيداً للوهلة الأولى، فإن الصين بحاجة إلى مقترضين ميسورين وعملاء وحلفاء سعيدين، وليس خداعاً وخططاً خفيّة، وتخلفاً عن السداد، ومواطنين غاضبين.

تخاطر العولمة في الصين، وهي المحرك الذي يدفع اقتصادها، بالتوقف تحت ضغط الوباء، وحرب روسيا مع أوكرانيا، وسلاسل التوريد المكسورة أو التي يعاد تشكيلها بطرق وروابط جديدة.

وهنا يتعين على القادة الحكوميين المقارنة والسؤال، أيهما أفضل لبكين، دعمها السياسي لموسكو على حساب أوكرانيا وبقية العالم، أم عالم مترابط يوافق فيه جميع المنافسين على القواعد والأعراف العامة، ويستفيد فيه الجميع من هذه البنية العالمية؟

إن اختيار روسيا على العولمة التي ترسخت فيها بلادهم بعمق، ما هو إلا صفقة اقتصادية ضارة وقصيرة النظر، وقد تؤدي إلى عقوبات ثانوية على الشركات الصينية، كما حذرت الولايات المتحدة.

قد تستمر روسيا في الحرب، يغذيها نفطها وغازها، لكنها تعادي بذلك معظم دول العالم. وقد تدفع الصين ثمناً باهظاً إذا استمرت في دعم طرف على حساب نظام تجاري تعتمد عليه الدولة لتحقيق نموها الاقتصادي.

تشير كل هذه التحديات الصعبة إلى أن التوقعات الرسمية للحكومة الصينية بمعدل نمو 5.5% في عام 2022 متفائلة للغاية، وتكاد تكون غير منطقية. في الواقع، يبدو أن الأمور تسير إلى نمو بأقل من 5% لهذا العام، وهو معدل لم نشهده منذ أزمة 1989 في ميدان تيانانمين.

ستكون مثل هذه النتيجة الاقتصادية أخباراً سيئة للصين، ولبقية العالم. لذلك دعونا نأمل أن يتم اتخاذ الخيارات الصحيحة التي تُطبخ عالمياً بدلاً من سياسة القطب الواحد.

*الرئيس التنفيذي لشركة «ويليام آر»، وشارك في كتابة المقال: ستيوارت ماكينتوش المدير التنفيذي لمؤسسة «ذا جروب أوف ثيرتي» (سي إن بي سي)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"