د. عبد العظيم حنفي *
بحلول نهاية عام 1952 نقلت الولايات المتحدة مساعدات إلى أوروبا، وفق خطة مارشال، بما يزيد على 12 مليار دولار في شكل مساعدات اقتصادية وفنية تتمثل في منح وقروض لتحفيز النمو الاقتصادي، والكفاءة السياسية، وتنشيط التجارة الحرة مع تجنب الوعود المثالية أو التهديد العسكري للشيوعية.
ويرى محللون أن خطة مارشال قبل 75 عاماً، حيث كانت أغلى مبادرة سياسية خارجية حدثت في زمن السلم، ومع ذلك فإن النظرة إلى خطة مارشال في مرحلة ما بعد الحرب، من معظم الأمريكيين والأوروبيين تراوح بين الاستعمار الاجتماعي والعمل الخيري المحض.
تصرفت الولايات المتحدة بفخر اعتماداً على حتمية المساعدات السخية لإعادة بناء الدول القومية دون افتراض اليأس. ولكن بعد عقود لم يتوقف القصور.
وفقاً لتحليلات أوروبية، كانت الولايات المتحدة الإمبريالية الاقتصادية الأساسية التي تقوم بتدبير توزيع المساعدات الإنسانية الأجنبية للسيطرة على أوروبا، وأن المساعدات الخارجية لم تكن مؤشراً على التعافي أو الاستدامة في أوروبا.
على سبيل المثال، حدث التعافي الاقتصادي في فرنسا وإيطاليا وبلجيكا قبل تيار المساعدات الأمريكية. وذكر ألان جرينسبان في مذكراته «عصر الاضطراب»، أن استراتيجيات الصناعة والتجارة التي اتبعها لودفيج إرهارد، أدت إلى تسارع النمو في أوروبا الغربية.
وأعطت تعديلات إرهارد في طريقة العمل في التجارة والصناعة شرعية للانتعاش في ألمانيا، ثم قفزت تلك الاستراتيجيات إلى أوروبا الغربية وحلفائها لإعادة بناء المؤسسات والدولة.
وأصبحت المساعدات الإنسانية الخارجية للولايات المتحدة بمثابة «الأفيون» للدول القومية والاستبدادية، حيث تكون هناك إدارة أو وكالة عالمية ما، لديها الدافع لتوريد المساعدات (أي المساعدات الخيرية الثنائية والمتعددة الأطراف، والأحادية) ببضعة ملايين من الدولارات من خلال دعم السياسات الخبيثة.
تخدم المساعدات الخارجية العالم الفقير بشكل سيئ. على سبيل المثال، في إندونيسيا، كان المزارعون المجبرون على الشراكة من جانب الحكومة، ينتجون من أجل قنوات الري الممولة من المساعدات. وفي مالي، أرغم المزارعون على بيع محاصيلهم بالمزاد بأسعار تفاوضية لمشاريع المعونة المشتركة.
وتقول تلك الدراسات إن هولندا كانت تستخدم جزءاً كبيراً من المساعدات التي تلقتها لإعادة غزو إندونيسيا خلال الثورة الوطنية الإندونيسية، ثم أجبرتها على الانضمام إلى الحرب الكورية في عام 1950 بعد الضغط عليها للاستسلام وإلا خسرت المساعدات إذا لم تمتثل.
تم إنشاء عدد كبير من المساعدات الخارجية على أساس أن الحكومة الأجنبية مكرسة لرفاهية مواطنيها. وقد ثبت أن هذا الأساس افتراض هزيل من الإمبريالية الاجتماعية، وأن افتراضات الإمبريالية الاجتماعية هي بقايا من الفلسفات الحاقدة من جانب الدول القومية ونظم المساعدات الخارجية للحكومات التي تصف المصلحة غير المحسوسة للمواطنين المجنسين. على سبيل المثال، فشلت مشاريع المعونة في جواتيمالا جزئياً؛ لأن بعض المسؤولين الحكوميين هناك عارضوا تحسن محنة الريفيين الفقراء.
عموماً، كانت الاستثمارات الأجنبية قابلة للتبادل عندما أتاحت الكيانات الخارجية (أي المنظمات متعددة الأطراف) النقد للحكومات المتلقية، والإفراج تباعاً عن عائداتها لأغراض أخرى. على سبيل المثال، أنفقت غانا والبرازيل وكينيا وساحل العاج المليارات على بناء عواصم جديدة. وإضافة إلى الشركات الصناعية المغرية للدول القومية، كانت سيارات مرسيدس على سبيل المثال، تتمتع بشعبية كبيرة بين المسؤولين الحكوميين في إفريقيا، لدرجة أنه تم تغيير الكلمة السواحيلية التي تصفهم إلى wabenzi (أي رجال مرسيدس بنز). النقطة المهمة هي أن المساعدات الخارجية جعلت الحياة أكثر متعة للبيروقراطيين الحكوميين في الدول القومية الفقيرة.
لأن الولايات المتحدة هي المستفيد الأكبر من خطة مارشال، فإن أفضل المساعدات الأجنبية في العالم النامي تثبت أن المعونة قد يتم تقديمها ككتلة للإصلاح، ولكنها لا يمكن أن تحل محل السياسات الاقتصادية المحلية السليمة.
* أكاديمي مصري