الإعلام الغربي وخطاب بوتين

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

كعادته استبق الإعلام الغربي خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمناسبة يوم النصر، بالكثير من التكهنات والافتراضات غير النزيهة، التي درجت عليها الماكينة الإعلامية الغربية، في شيطنة كل من يعارض السياسة الغربية، التي يعتمدها الساسة الغربيون، لاسيما في الولايات المتحدة؛ حيث ذهبت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى أن الرئيس الروسي، سيعلن في خطابه الحرب على أوكرانيا، ويدعو إلى التعبئة العامة، وغيرها من الافتراضات، التي يقصد منها تصوير روسيا وكأنها المسؤولة عن توسيع رقعة الصراع، وجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة.
 لكن وبعكس كل التوقعات والافتراضات الغربية؛ جاء الخطاب واقعياً، ومعتدلاً، فلم يعلن الحرب على أوكرانيا أو يدعو إلى التعبئة العامة، وغيرها من الشائعات.
 وفي خطابه الذي ألقاه في الساحة الحمراء، كرر زعيم الكرملين الأسباب والمبررات التي أجبرت موسكو على القيام بعمليتها الخاصة في أوكرانيا، والتي أهمها تعرض روسيا لخطر حقيقي، يهدد كيانها ووجودها، مؤكداً أن النازيين الجدد في أوكرانيا، كانوا يخططون لعمل عسكري ضد روسيا بتشجيع ودعم من الغرب.
 واللافت في خطاب بوتين هو تأكيده على العامل التاريخي، لاسيما الحقبة السوفييتية، عندما أكد أنه يوجه خطابه أيضاً إلى مواطنيه في أوكرانيا، مشيراً إلى أن أوكرانيا ليست مجرد دولة مجاورة لروسيا، وإنما هي جزء لا يتجزأ من التاريخ والثقافة الروسيين، وأن أفراد الشعب الأوكراني ليسوا رفاقاً وزملاء، وإنما أقارب تربطهم ببلاده صلة الدم وروابط عائلية.
 وذكّر بوتين بحقيقة أن أوكرانيا تأسست بالكامل من قبل روسيا، معتبراً أن ذلك كان عملاً فجاً من قبل البلاشفة الشيوعيين آنذاك؛ حيث تم فصل جزء من أراضي روسيا التاريخية. وأشار أيضاً إلى الوثيقة التي صدرت في الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الاشتراكي السوفييتي، في سبتمبر 1989، والتي احتوت على بند مفاده أن السلطات التمثيلية الأعلى للجمهوريات الاتحادية يمكنها الاحتجاج وتعليق تنفيذ قرارات وأوامر الحكومة المركزية على أراضيها. نصت هذه الوثيقة على أن كل جمهورية اتحادية يجب أن تكون لها جنسيتها الخاصة تمنحها لجميع المواطنين المقيمين على أرضها.
 وأكد بوتين أنه على الرغم من كل هذه المظالم والخداع والنهب الذي تعرضت له روسيا، فإن موسكو اعترفت بالحقائق الجيوسياسية الجديدة التي ظهرت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، واعترفت بالدول المستقلة حديثاً. ومدت يد العون للشركاء في رابطة الدول المستقلة بما في ذلك أوكرانيا، مشيراً إلى أن إجمالي الدعم الذي قدمته روسيا للميزانية الأوكرانية في الفترة من 1991 إلى 2013 بلغ نحو 250 مليار دولار.
 لكن العلاقات بين موسكو وسلطات كييف اكتسبت طابعاً غامضاً. تمثل في سرقة الغاز في مناطق مرور خطوط الطاقة، لافتاً إلى محاولة كييف استخدام الحوار مع روسيا كذريعة للمساومة مع الغرب، وتم ابتزاز الغرب من خلال التقارب مع موسكو، والتلويح بتزايد نفوذ روسيا على أوكرانيا.
 في الحقيقة هناك الكثير من النقاط المهمة في خطاب الرئيس الروسي، لكن أكثر ما يثير الاهتمام، والذي يمكن اعتباره سر الأزمة الحالية، هو تأكيده على أن التصريحات حول اعتزام أوكرانيا تصنيع سلاحها النووي، ليس هراء أومجرد كلام فارغ. لأن أوكرانيا ما زالت تملك بالفعل التكنولوجيات النووية من عهد الاتحاد السوفييتي السابق، بما فيها وسائل نقل الأسلحة النووية وتقنيات الطيران.
وأن امتلاك أوكرانيا أسلحة نووية تكتيكية ستكون أسهل مقارنة ببعض الدول، لاسيما في حال حصولها على دعم تقني من الخارج، ناهيك عن قيام حلف الناتو بإجراء مناورات عسكرية والتواجد في الأراضي الأوكرانية، وصولاً إلى خطط ضم أوكرانيا لحلف الناتو، بما يمثله ذلك من خطر وجودي حقيقي على روسيا.
ولو تمعنا قليلاً في خطاب سيد الكرملين لوجدنا أن هناك خديعة كبرى جرت بحق روسيا، بدأت مع عام 1990، مع تعهد الغرب بعدم تمدد المؤسسة العسكرية للناتو إلى الشرق؛ حيث حصل العكس تماماً، وباتت روسيا شبه محاصرة بقوات وقواعد الناتو العسكرية.
 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إذا كانت الولايات المتحدة التي ترسم فعلياً سياسات الغرب، ترى في مناطق تبعد عنها آلاف الأميال، «مصالح أمنية قومية حيوية» وأنها غزت أفغانستان والعراق بذريعة هذه المصالح الكاذبة، فكيف لروسيا أن تقبل بخنجر يطعن خاصرتها؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"