عادي

الحرب الأوكرانية.. هل تتدحرج إلى «نووية»

23:08 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - المحرر السياسي:
دخلت الحرب الأوكرانية في دوامة تتجاوز الصدام بين دولتين وتنطوي على مخاطر اكتساب أبعاد دولية. ويدفع التقدم البطيء في العمليات القتالية لكلا الطرفين المتحاربين ميدانياً، والمصالح الجيوستراتيجية للرئيس الأمريكي جو بايدن، الصراع نحو مرحلة جديدة قد تكون أكثر فتكاً من المرحلة الأولى، وربما أكثر خطورة فضلاً عن ارتداداتها التي بدأت تظهر آثارها على القارة الأوروبية بشكل خاص.

يبقى السيناريو الأكثر ترجيحاً، وفقاً لمصادر في بروكسل وواشنطن، هو أن الحرب سوف تستمر، وأن روسيا ستواصل العمل لتحقيق الأهداف التي تضمن أمنها الاستراتيجي، ما يرفع مؤشرات التهديد النووي، بينما يزوّد الحلفاء الغربيون الجيش الأوكراني بأسلحة وفيرة ومتطورة بشكل متزايد حتى يتمكن من مواجهة الضربات الروسية المتواصلة.

وتقر مصادر الحلفاء بأن عمليات ضخ السلاح هذه، تتطلب مشاركة غربية دائمة في صيانة وإدارة المعدات الموردة، وكذلك في تدريب العسكريين الأوكرانيين المسؤولين على استخدامها. وكلا العاملين سيزيدان من خطر التعرض لهجوم عارض أو متعمد من الجيش الروسي. وقد أعلن البنتاغون أن الجنود الأوكرانيين ينقلون إلى القواعد الأمريكية في ألمانيا ودول أخرى للتدريب، تحسباً لمثل هذا الاستهداف.

وحددت واشنطن لنفسها هدفاً يتمثل في تدمير الجيش الروسي حتى يصبح غير قادر على شن حرب أخرى. واللافت هنا السخاء الأمريكي في ضخ الأموال، حيث مرر الكونغرس مشروع قرار تمويل بقيمة 33 مليار دولار، ليصبح مجموع ما قدمته واشنطن 46.6 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من العام، وهو ما يوازي إنفاقها سنوياً على الحرب في أفغانستان.

تهديدات روسية

ويهدد بوتين، من جانبه، باللجوء إلى أسلحة لم تُستخدم أبداً للرد على التدخل الغربي. واتهم وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الناتو بشن حرب ضد روسيا عبر أراضي أوكرانيا. وحذر من أن خطر اندلاع حريق نووي «خطير وحقيقي».

كما تهدد روسيا بتوسيع الصراع ليشمل مولدوفا، مستفيدة من وجود قوات حفظ السلام في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية، ما سيفتح جبهة أخرى على الجانب الجنوبي الغربي في أوكرانيا. وللمرة الأولى، بدأت السلطات الروسية في استخدام مصطلح «الحرب» لوصف نزاع وصفته حتى الآن بأنه «عملية عسكرية خاصة». وتشير المصادر الغربية إلى أن أقوى جناح في موسكو سوف يؤيد إعلان الحرب علانية ضد أوكرانيا، وهي خطوة من شأنها أن تنطوي على تعبئة عامة للسكان البالغين الروس من أجل تجنيد محتمل.

ويتفق المحللون في مؤسسة أصدقاء أوروبا الفكرية على أن الاحتجاجات الروسية ضد إمدادات الأسلحة الغربية هي إشارة واضحة إلى أن موسكو لن تتقبل الفشل العسكري في أوكرانيا.

ويعلم الكرملين أنه سيتعين عليه تقليص هجومه في منطقة دونباس وفي البحر الأسود عندما يبدأ الجيش الأوكراني في استخدام أسلحة متطورة وعالية التقنية، مثل الطائرات من دون طيار وقاذفات الصواريخ، أو أنظمة الدفاع الجوي.

تورط أوروبي

وحتى الاتحاد الأوروبي، الذي كان متردداً في البداية في فكرة التورط في حل عسكري للصراع، أصبح أكثر حماسة للقتال. فقد قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: «إن الحرب في أوكرانيا تمثل تهديداً مباشراً لأمننا، وسوف نجعلها فشلاً استراتيجياً».

وأكدت أن هذه لحظة حاسمة وسوف تحدد طريقة التعامل معها مستقبل كل من النظام الدولي والاقتصاد العالمي.

من المؤكد أن هناك تغييراً في الاستراتيجية في واشنطن وفي العديد من العواصم الأوروبية التي تركز حالياً على إمكانية المضي قدماً في إضعاف روسيا لمنعها من التوغل في بلدان أخرى في المستقبل.

وتؤكد المعطيات حتى الآن أن البيت الأبيض يعمل على سيناريو حرب طويلة. ويقول إيان ليسر، المدير التنفيذي لفرع بروكسل لمؤسسة أبحاث صندوق مارشال الألماني، إنه إذا تم تأكيد هدف وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، المتمثل في إضعاف روسيا فهذا يعني أن واشنطن وحلف شمال الأطلسي يفكران في فترة دائمة من المواجهة والمخاطر.

لكن المحللين يحذرون من هزيمة روسيا وإضعافها أو إذلالها. يقول مايكل أوهانلون، مدير أبحاث السياسة الخارجية في معهد بروكينغز والخبير في الدفاع والأمن القومي الأمريكي: «يجب أن نحرص على ألا تصبح روسيا قوة غاضبة وخطيرة، كما كانت ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي».

وتدعو بعض القوى السياسية في الغرب لترجيح خيار منح الروس نافذة تفاوضية، على الرغم من أن الطرفين مقتنعان في هذه اللحظة بإمكانية انتصارهما. وترى هذه القوى أنه إذا كانت الرسالة الوحيدة التي يسمعها الكرملين هي أن الولايات المتحدة مستعدة لخوض حرب طويلة، فمن المرجح أن تصرّ موسكو على التصعيد، ما يعني أن صراعاً طويلاً بات أمراً لا مفر منه.

وما زال الكرملين يكرر تهديداته بشن هجوم نووي وسط شكوك غربية بلجوء الروس لهذا الخيار. و

يعتقد أندريه كوليسنيكوف، رئيس قسم السياسة الروسية في مركز أبحاث كارنيغي في موسكو، أن الإشارات إلى الكارثة النووية ليست سوى جزء من لغة الكراهية التي قد تكشف عن درجة معينة من الإحباط. لكنه حذر من مخاطر تجاهلها، والتوقعات غامضة حول ما يمكن أن يقدم عليه الرئيس بوتين لأنه قد ينطوي على مجازفة خطيرة.

وقد وصف بايدن تهديدات موسكو النووية بأنها «غير مسؤولة». لكنه قال:«التهديدات ليست جدية، لكنها تقلقني لأنها قد تعكس حالة اليأس الذي تشعر به روسيا».

وفي تزامن لافت أحيا الاتحاد الأوروبي الذكرى السنوية لإعلان شومان، وهو البيان التأسيسي للنادي الأوروبي يوم 9 مايو/أيار، في الوقت الذي احتفل الروس بيوم النصر على النازية. وفي هذه الأثناء ينطلق مؤتمر مستقبل أوروبا في ستراسبورغ، وسط دعوات لتدريب المواطن الأوروبي على التفكير في تكييف الاتحاد مع واقع جديد فرضته الحرب الأوكرانية.

وأياً كان المسار الذي تسلكه العمليات العسكرية مستقبلاً؛ فإن المؤكد اليوم أن العالم يعيش حالة حرب حقيقية متعددة الوجوه، وسط تمحور متسارع لدوله طوعاً وكرهاً، تنعكس تبعاته على الاقتصاد العالمي وخاصة على حركة التجارة العالمية في شكل تضخم متسارع وتحذيرات متتالية من شح في المواد والسلع يعزز الشعور بالرعب من جوع يضرب ثلاثة أرباع سكان العالم فقيرهم وغنيهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"