الشاهدة والشهيدة

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

كانت الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقلة، تضع خوذة وترتدي سترة واقية من الرصاص، عندما قررت في ذاك الصباح أن تقوم بعملها في متابعة الاقتحامات الإسرائيلية في مناطق فلسطين المحتلة، لكن رصاصة القناص الغادرة استهدفت منطقة قاتلة فوق الأذن، لأنه أراد قتلها وإسكاتها ومنعها من نقل حقيقة ما يقترفه جنود الاحتلال صبيحة اقتحامهم، أمس، مخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة.
حدث هذا ولم تمضِ أيام على احتفال العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي صادف الثالث من الشهر الحالي، لكن سلطات الاحتلال أبت إلا أن تقدم للعالم ضحية على مذبح «السلطة الرابعة» لتأكيد أن الاحتلال لا يحترم مواثيق ومعاهدات واتفاقات، وبالتالي فالحريات الصحفية والإنسانية أيضاً هي مجرد ترّهات لا تعنيه.
 الصحافة تزعج المعتدي وتثير غضبه، لأنها تكشف حقيقته، خصوصاً إذا كانت بالصوت والصورة. لهذا كانت شيرين، وغيرها من الصحفيين الذين سبقوها إلى الشهادة، هدفاً، ولأنها شاهدة على تجاوزات الاحتلال فقد تحولت إلى شهيدة.
 لم تكن شيرين تحمل سلاحاً ولا سكيناً ولا حجراً، لكنها كانت تحمل مذياعاً، وبرفقتها كاميرا تصور وتبث وتنقل، وهي أدوات بالنسبة للمعتدي يستحق حاملها الإعدام الفوري، على أن يتم بعدها حياكة القصة المناسبة التي تبرر ارتكاب الجريمة أو طمسها، كما حال آلاف الجرائم المماثلة.
 شيرين أبو عاقلة ليست الصحفية الفلسطينية الوحيدة التي تسقط برصاص الاحتلال أو صواريخه، هي واحدة من قافلة الصحفيين الذين زاد عددهم على 46 صحفياً، قضوا على يد الاحتلال منذ انتفاضة الأقصى عام 2000، إضافة إلى اعتقال 15 صحفياً ما زالوا يقبعون في زنازينه، من بينهم الصحفية بشرى الطويل المعتقلة إدارياً.
 كانت شيرين تعرف أنها في قلب الخطر، كلما كانت تقوم بتغطية حدث ما مع وجود جنود الاحتلال، وكانت تحتاط بما يمكن أن يحميها، لكنها لم تعرف أن الصحفي هو «إرهابي» أيضاً، مثله مثل أي فلسطيني يجوز قتله، لأنه يشكل خطراً وجودياً على الاحتلال.
 اغتيال شيرين أبو عاقلة في وضح النار، وعلى الملأ، وبالصوت والصورة، جريمة موصوفة ومتكاملة الأركان، ولا تقبل قرينة لإثبات عكسها، وإنكار ارتكابها جريمة أيضاً، لأن مرتكبها منافق كذاب ويحاول التستر على جريمته.
 فظاعة الجريمة أفرزت ردود أفعال غاضبة عربية وإسلامية ودولية حكومية وأهلية، حقوقية وإعلامية، لأن المستهدف هو الصحافة والإعلام والحقيقة والكلمة والإنسان.
 ولكل ذلك يجب ألا يفلت المجرم من العقاب، وأن يحاكم مرتكبها، ومن أصدر الأمر بالاغتيال لينال العقاب العادل، أمام جهات العدالة الدولية المختصة بكل ما تمثله من أركان كجريمة حرب، وانتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي، فلا يجوز أن تمر هذه الجريمة مرور الكرام، لأن تجاوزها يعني إعطاء الاحتلال إذناً بمواصلة انتهاكاته واعتداءاته وارتكاب الجرائم، ووأد الحق والحقيقة، أو التستر عليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"