عادي

العقوبات تعمق الانقسام الأوروبي

23:00 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - بنيمين زرزور:
بعد مرور أحد عشر أسبوعاً على بدء الحرب في أوكرانيا لا تزال الأطراف تمارس لعبة عض الأصابع المؤلمة وسط رهانات متباينة يكشف عن فشل بعضها طول أمد الحرب، بينما يكشف البعض الآخر التصدع الذي ينتاب تحالف الدول الغربية سواء في ما يتعلق بالمشاركة المباشرة في العمليات العسكرية، أو ما كان متصلاً بالعقوبات من حيث الموافقة على فرضها أو تنفيذها.

صحيح أن دول الاتحاد الأوروبي ومعها الولايات المتحدة أظهرت درجة من التضامن غير مسبوقة في بداية الحرب، إلا أن التباين في مواقفها حول التفاصيل أجج الخلافات لدرجة بات معها الرهان على النفس الطويل في لعبة عض الأصابع الحالية ضماناً للنجاح، وهو ما لا تملكه الكثير من الدول الغربية لسببين، الأول مستويات الرفاهية التي تحرص شعوبها على ترقيتها والحفاظ عليها وبالتالي غياب ثقافة القتال دفاعاً عن المجد الوطني، وهو العامل الذي تراهن عليه روسيا. أما السبب الثاني فهو أن النظم الليبرالية الغربية باتت هشة في مواجهة الأزمات نتيجة تعاظم دور الحركات الشعبوية في المعادلات السياسية، الأمر الذي يفرض على القادة السياسيين دراسة أي موقف بعناية قبل اتخاذ قرارات قد تطيح بهم في صناديق الاقتراع.

الضغوط تعمق الصدع

وقد عززت الممارسات الأمريكية أثناء الأزمة والتي تمثلت في حرص واشنطن على إطالة أمد الحرب وإدارتها بالوكالة، شكوك الحلفاء في الناتو وحرص بعض الدول على حماية مصالحها. وهو ما ظهر منذ البداية عندما رفضت ألمانيا إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، بينما كرر الأمريكيون لاءاتهم لفرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، خشية توسيع الحرب والمواجهة المباشرة مع روسيا التي هددت باستخدام الأسلحة النووية، بينما حذرت دول مثل هنغاريا وإيطاليا وغيرهما، من حظر واردات الغاز الروسية لتأخذ قضية الطاقة الأوروبية بعداً استراتيجياً في الخلافات وتعمق الصدع بين دول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

بالمقابل لا تزال دول مثل بريطانيا ومعها دول البلطيق الثلاثة (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) تحرض الحلفاء على التصعيد في مواجهة روسيا بدعوى أن كسبها لهذه الحرب سوف يغير خريطة العالم.

وبينما تتشدد دول أخرى مثل تشيكيا وبولندا وسلوفاكيا، الدول الأعضاء في حلف وارسو سابقاً، في عدائها لروسيا خوفاً من تعرضها لغضب موسكو لاحقاً، فقد فتحت أبواب عبور الأسلحة بلا قيود إلى الأراضي الأوكرانية وأعلنت دعمها القوي لضم كييف إلى الاتحاد الأوروبي سريعاً، وضم السويد والنرويج إلى حلف شمال الأطلسي. وتطالب هذه الدول بوقف استيراد الغاز الروسي ما يضعها في صدام مباشر مع دول مثل ألمانيا وإيطاليا وحتى فرنسا.

رفض الحظر

وقد طرأت تغيرات متلاحقة على المواقف داخل الاتحاد الأوروبي. فقبل أربعة أسابيع، كانت ألمانيا التي دعت مجدداً مع فرنسا قبل يومين، للحوار مع موسكو، لا تزال تعارض علناً التحركات الرامية إلى حظر واردات الطاقة الروسية، وتتعرض لانتقادات من أوكرانيا و دول أخرى، لرفضها إمداد القوات الأوكرانية بالسلاح.

وقد تم تعليق مشروع «نورد ستريم 2» إلى أجل غير مسمى، بينما تخلى المستشار أولاف شولز عن السلمية التقليدية وذلك بعد الإعلان عن تخصيص مئة مليار يورو إضافية لتطوير أسلحة الجيش وأنظمة الدفاع.

وأخيراً أعلنت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، عن خطط لحظر استيراد كامل على شحنات النفط الروسي الخام والمكرر، المنقولة بحراً وعبر خطوط الأنابيب. وتقضي الخطة بتخلص معظم الدول من النفط الخام الروسي تدريجياً في غضون ستة أشهر، والنفط المكرر بحلول نهاية العام.

لكن الخطة لا تحظى بالإجماع. فقد قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يوم الجمعة الماضي إنه لن يدعم حزمة العقوبات في شكلها الحالي، واصفاً إياها بأنها «قنبلة ذرية» اقتصادية. كما تريد سلوفاكيا أن تُستثنى من ذلك بسبب اعتمادها الكبير على النفط الروسي وطالبت بفترة انتقالية أطول.

وينعكس التباين في مواقف الحلفاء الغربيين في تصريحات المسؤولين التي تكشف عن حالة من التردد والعجز تعزز الدعوات لتشديد العقوبات على روسيا؛ حيث فرضت أوروبا قبل يومين الحزمة السادسة منها. لكن ذلك لا يغير من حال الانقسام شيئاً. فقد أكد جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أن وقف استيراد النفط والغاز من روسيا لن يتخذه الاتحاد الأوروبي بالإجماع؛ حيث يترك لكل دولة حرية اتخاذ القرار طبقاً لمصالحها، وهو ما يعكس حالة الشلل السياسي التي تعتري اتخاذ القرارات الحاسمة على مستوى قيادة الاتحاد.

وهناك من يرى أن كلام بوريل يعتبر إقراراً بفشل سياسة العقوبات الغربية ضد روسيا، تلك العقوبات التي يفترض أن تثني موسكو عن الحرب وتجبرها على الانسحاب. وقد قال بوريل حرفياً إن «مصير الحرب يتقرر في ساحة المعركة».

تحسن سعر الروبل

إلا أن اللافت في تأثير العقوبات الغربية على روسيا هو فشل الرهان على وقف الحرب بفعل تجفيف التمويل وشح الموارد الروسية. ولعل أبرز المؤشرات السوقية المباشرة التي يتابعها المحللون ارتفاع قيمة الروبل مقابل الدولار حتى أن البعض اعتبر العقوبات نعمة لا نقمة.

فقد بلغ سعر الروبل في تداولات الأسبوع الماضي ضعف قيمته مقابل الدولار عند 68 روبل، مقارنة مع 135 روبل في الأسبوع الأول من شهر مارس/آذار، أي بعد أسبوع من بدء الحرب.

وتمكنت روسيا من دعم عملتها الوطنية على الرغم من العقوبات من خلال رفع أسعار الفائدة، ومنع الوسطاء الروس من بيع الأوراق المالية التي يحتفظ بها الأجانب والمطالبة بدفع ثمن شحنات الغاز والنفط بالروبل، وقد ساعدت هذه الإجراءات موسكو من خلال زيادة الطلب على الروبل.

في الوقت ذاته سعت روسيا إلى اتخاذ إجراءات سريعة لمواجهة تأثير العقوبات من خلال الإعلان عن مخصصات لدعم الاحتياجات اليومية لأسواقها المحلية وتعزيز التعاون مع شركائها الدوليين سواء مجموعة بريكس أو الاتحاد الأوراسي.

وأشار ​وزير المالية الروسي​، أنتون سيلوانوف، خلال الاجتماع الأول لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول بريكس برئاسة الصين،إلى أن المجموعة التي تضم كلاً من ​روسيا​ والبرازيل والهند و​الصين​ وجنوب إفريقيا، سوف تعمل على تسريع إقامة نظام مراسلة مالية خاص يكون بديلاً عن نظام «سويفت» ووكالة تصنيف مستقلة، وتكامل أنظمة الدفع فيما بين الأعضاء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"