عادي

ليبيا.. حكومتان وآفاق مسدودة

22:58 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد فراج أبو النور *

ازداد تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا خلال الأسابيع الأخيرة، بحيث أصبحت تعبيرات مثل «الانسداد السياسي» و«تعميق الانقسام» و«الفوضى الأمنية» و«خطر تجدد الاقتتال» هي الكلمات الأكثر شيوعاً في وصف المشهد السياسي والأمني، وبحيث أصبح الحديث عن التسوية والانتخابات والشرعية كلاماً بلا معنى، بغض النظر عن الاجتماعات واللقاءات والتصريحات الإعلامية المتفائلة.

في طرابلس والمنطقة الغربية يزداد عبد الحميد الدبيبة تشبثاً بالسلطة، وقد تحولت العاصمة الليبية إلى ثكنة عسكرية تدفقت عليها حشود الميليشيات والمرتزقة من مختلف مدن ومناطق «الغرب»، بحيث أصبح واضحاً تماماً أن محاولة فتحي الباشاغا و«حكومة الاستقرار» دخول طرابلس مستحيلة من دون إراقة سيول من الدماء، واضطر الباشاغا للإعلان عن أن حكومته ستمارس عملها من سرت في المنطقة الوسطى، بينما يواصل الدبيبة حديثه عن الانتخابات التي تبدو استحالتها واضحة تماماً.

وشهد الحشد العسكري تطورات خطيرة خلال الأسابيع الأخيرة، في مقدمتها عودة «عبدالحكيم بلحاج» زعيم الجماعة الليبية المقاتلة - فرع «القاعدة» في ليبيا- من الخارج، وبرفقته «أبو عبيدة الزاوي» أحد أكبر زعماء الجماعات الإرهابية، وسبقهما في العودة القيادي الإرهابي «شعبان هدية»، كما تم الإفراج عن 86 من القياديين الإرهابيين، وبدأت حركة واسعة لتجميع الإرهابيين الذين كانوا ينشطون في شرقي البلاد في إطار مجلس شورى مجاهدي بنغازي ودرنة قبل تحرير المنطقة الشرقية على يد الجيش الوطني الليبي، كما اجتمع بلحاج مع مفتي ليبيا السابق «المعزول» الصادق الغرياني المعروف بتطرفه وفتاواه التكفيرية، لتنسيق تحركات الجماعات الإرهابية. ومعروف أن الغرياني كان قد اجتمع مع الدبيبة منذ أسابيع وأعلن دعمه له، و«عدم شرعية» البرلمان وحكومة الباشاغا.

تحالف جديد - قديم

وهكذا تكتمل ملامح تحالف إرهابي جديد - قديم «عائد» يسعى أطرافه إلى تجميع أعضائهم القدامى من جديد في صفوف منظماتهم القديمة، وفي القلب من هذا التحالف تقف جماعة «الإخوان» التي تملك علاقات وثيقة بكل هذه الأطراف، وتعمل على تنسيق حركتها. ويتلقى كل هؤلاء الدعم المادي والرواتب الشهرية من حكومة الدبيبة، التي تحصل على الأموال من «المصرف المركزي الليبي» ومحافظه «الصديق الكبير» المعروف بارتباطه الوثيق ب«الإخوان» ودعمه المعلن للدبيبة.

وهكذا أيضاً يترسخ الانقسام بين شرقي ليبيا وغربيّها، وواقع وجود حكومتين إحداهما تحظى بالشرعية البرلمانية «حكومة الباشاغا» والأخرى «حكومة الدبيبة» يستند وجودها إلى «الإخوان» والميليشيات والجماعات الإرهابية وبعض القوى الإقليمية. وتعترف بها الحكومات الغربية، وبعثة الأمم المتحدة، الأمر الذي يزيد من تصلب الدبيبة وحلفائه في أية مفاوضات، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية للأزمة المحتدمة.

محادثات القاهرة

شهد هذا الأسبوع دعوة وجهتها القاهرة لكل من رئيس البرلمان «عقيلة صالح» ورئيس مجلس الدولة «خالد المشري» لإجراء حوار للتقريب من المواقف تمهيداً للجولة الثانية من محادثات «اللجنة الدستورية» المقرر عقدها الأسبوع المقبل (15 مايو) تحت إشراف ستيفاني ويليامز مستشارة الأمم المتحدة، وأشارت التقارير الإعلامية إلى أن هذا الجهد المصري يحظى بدعم أمريكي.. علماً بأن زيارة المشري للقاهرة هي الأولى له إلى مصر. ومصداقاً لذلك جاء السفير الأمريكي في ليبيا «ريتشارد نورلاند» إلى القاهرة، واجتمع بكل من عقيلة صالح والمشري وأعلن بعد لقائهما دعم بلاده للمسار الدستوري وضرورة إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن، غير أن أهم ما أكده ضرورة استئناف ضخ البترول من الحقول والموانئ المعطلة، وإبعاد هذه المسألة عن التجاذبات السياسية بين الأطراف، وكذلك ضرورة إبعاد مؤسسة النفط الليبي والمصرف المركزي عن الخلافات. واللافت للنظر أنه برغم مرور عدة أيام على وجود صالح والمشري في القاهرة، فإن وسائل الإعلام لم تشر إطلاقاً إلى اجتماعهما، ولا إلى الحوار بينهما. علماً بأنهما سبق أن التقيا في بنغازي في سياق التوافق على تشكيل حكومة الباشاغا، والاتفاق على التعديل الثاني عشر للإعلان الدستوري، الذي تجري في إطاره اجتماعات اللجنة الدستورية. ومعروف أن «المشري» - وهو أحد زعماء «الإخوان»- كان قد أعلن تراجعه عن الاتفاق بمجرد عودته إلى طرابلس ووقع على بيان بهذا المعنى باسم «مجلس الدولة»!

ومن ناحية أخرى فإن وسائل الإعلام لم تشر إلى أية لقاءات بين «المشري» وأي من كبار المسؤولين المصريين. وهنا يجب أن نشير إلى أن زيارة المشري قد جاءت في سياق محادثات «صعبة» بين مصر وتركيا من أجل حل مشكلات العلاقات بين البلدين، وليبيا من أهمها وأعقدها. وهناك سؤال مهم: إلى أي حد يمكن الاطمئنان إلى الالتزام «المشري» ورفاقه بأي اتفاق يصل إليه في القاهرة؟

النفط والتسوية

أشرنا أعلاه إلى أن اهتمام السفير الأمريكي بالتصريح عقب اجتماعه بكل من صالح والمشري، هو ضرورة استئناف ضخ النفط الليبي بكامل طاقته بأسرع ما يمكن، ويشير أيضاً إلى بيان للسفارة الأمريكية بأن إغلاق الحقول الليبية «له تداعيات على الاقتصاد العالمي، ويجب إنهاء إغلاق حقول النفط فوراً». ومعروف أهمية هذه القضية لتوفير بدائل للأسواق الأوروبية عن النفط الروسي المطلوب حظره بأسرع ما يمكن، وكذلك عن الغاز الروسي، ومعروف أيضاً أن دعم أمريكا لاحتفاظ مؤسسة النفط الليبي بعوائد النفط في بنك الاستثمار الخارجي في الفترة الأخيرة، وعدم تسليمه للمصرف المركزي، يعود للرغبة في توفير عدة مليارات من الدولارات لاستثمارها في تطوير وإعادة تأهيل حقول النفط والغاز الليبية، بدلاً من تبديدها على أيدي حكومة الدبيبة سواء بسبب الفساد أو تمويل الإرهاب أو غير ذلك.. بل إن واشنطن تريد توفير موارد «ليبية» للاستثمار - بما يتيح زيادة الإنتاج الليبي عن مستواه السابق بكثير.

وواضح أن الضغوط الأمريكية هي السبب في تراجع البرلمان وحكومة الباشاغا عن دعم التحركات القبلية والجماهيرية و«الميليشياوية» لإغلاق الحقول وموانئ التصدير بما أدى لتعطيل نصف طاقة الإنتاج.. وهي السبب في مسارعة الباشاغا لإعلان هذا التراجع - دون شروط أو ضمانات- بتغريدة على تويتر (مساء 10 مايو) ونسبة الفضل في ذلك إلى عقيلة صالح.. بالرغم من أن هذا التراجع يسلب أهم ورقة ضغط لديه على الدبيبة، بما سيؤدي لزيادة تشبثه بالسلطة، وتعطيل «الإخوان» وحلفائهم لجهود التسوية وللانتخابات، لتظل الأوضاع على ما هي عليه، ويطول أمد معاناة الشعب الليبي.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"