بؤس الوعي

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

فيما كان أبناء فلسطين بمختلف مناطقها يعبّرون عن حزنهم وغضبهم لمقتل الإعلامية الفلسطينية الشجاعة شيرين أبو عاقلة، برصاص قوات الاحتلال أثناء أدائها لعملها هي والفريق الإعلامي الذي كانت ضمنه، حيث أصيب أحدهم، هو الآخر، برصاصة في ظهره، ومثل الفلسطينيين كانت الشعوب العربية تعبر عن الحزن والغضب نفسيهما، «تعالت» أصوات نشاز، مستغلة مساحة النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، للتذكير بأن الشهيدة مسيحية. وبالتالي فإنه لا يجوز، حسب ترهات هؤلاء، الترحم عليها ولا حتى وصفها بالشهيدة، علماً أن لا أحد من متابعي تقارير شيرين أبو عاقلة الإعلامية، وعلى مدار عقود لا سنوات، فكّر يوماً إلى أي ديانة تنتمي، فليس هذا مهماً، ليأتي أصحاب تلك الأصوات النشاز، دون اكتراث لا لأنها أصبحت إلى جوار ربها، ولا للطريقة البشعة التي قتلت بها بإطلاق الرصاص على رأسها، ليبثوا تلك الرسائل المشحونة بالنذالة وانعدام لا المشاعر وحدها، وإنما حتى الأخلاق.

أحد المنشورات التي جرى تداولها بهذا الخصوص، وعليه ينطبق القول إنه «غيض من فيض»، والغيض، لغة، هو القليل، أما «الفيض» فهو الكثير الذي عجت به وسائل التواصل الاجتماعي حاملة المضمون البائس، يقول صاحبه، في فذلكة غير خافية: «صحفيّة ومراسلة حرّة.. نعم، لكنها ليست مسلمة.. ضحيّة ومظلومة..نعم، لكنها ليست شهيدة، نحزن لفقدها ونتأثر لاغتيالها على أيدي أرذل البشر..نعم، لكننا لا ندعو لها بالرحمة لأنها ماتت على غير الإسلام وقد نهانا الشرع.. بشاعة الجريمة لا تنسينا الثوابت العقدية»! 

كان بوسع كاتب هذا الكلام وناشره أن يحتفظ بهذا الرأي لنفسه، طالما أنه مقتنع به، بسبب ما هو عليه من جهل بصحيح الدين ومن بؤس في الوعي، لا أن يستفز مشاعر ملايين الناس الغاضبة، بهذه الأقاويل، ولنا أن نتخيل أي رسالة يمكن أن تصل الآخرين حين يعلمون بأمر تداول منشورات من هذا القبيل، فيما تشدد حكومات دول عدة في العالم ومنظمات دولية لا على إدانة جريمة قتل شيرين أبو عاقلة، وإنما محاسبة من قتلها.

في رد بليغ على هؤلاء وصفت إحداهن هؤلاء ب «المصابين بالاكتئاب الوجودي الذي يعالجونه بافتعال معارك مثل هذه لأنها تشعرهم بالقيمة»، ويبدو هذا صحيحاً، وهناك من يقول: حري بنا أن نتجاهل هذه الأقوال ولا نعيرها اهتماماً، ولكن من قال إن الصمت عنها سيمثل ردعاً لأصحابها، ولو أن الأصوات الشجاعة تعالت فيما مضى ضد هذا النمط من الوعي الزائف، لما كان لأصحابه أن يمتلكوا الجرأة في نشره في لحظة قاسية كتلك التي صاحبت وتلت مقتل شيرين أبو عاقلة، ولما وجد ما يزعمون به من يصدّقه، ويساهم في نشره عن جهالة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"