يمرر البعض من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مفاهيم خاطئة يتم التقاطها وإعادة توظيفها وكأنها مفاهيم إيجابية، والمشكلة أن تلك الحسابات تقوم بهذه المهمة عن عمد وقصد أو دون معرفة وعلم، وفي كلتا الحالتين يكون الأثر غير مفيد للآخرين. والمشكلة الكبرى في تغيير المفهوم العلمي الضار إلى مفهوم سليم ومفيد. من مثل هذه الحالات، مفهوم النرجسية، التي يعتبرها البعض حالة إيجابية، وأنه من المهم أن نكون نرجسيين باعتبارها، أي النرجسية، حب الذات، وما هي المشكلة إن أحب إنسان نفسه.
وبطبيعة الحال هذا تسطيح تام لمفهوم علمي، حيث تعتبر النرجسية فعلاً حب النفس، ولكنها أيضاً الأنانية، والأهم أن علماء الطب النفسي يعتبرونها اضطراباً في الشخصية يصيب من يعاني هذه الحالة بالغرور والتعالي، ومشاعر مرضية، ومن يعاني هذا الاضطراب، يضحي بالآخرين، دون أي مراعاة لحقوقهم، في سبيل تحقيقه لمكاسب شخصية، ولهذا لا يجد ما يمنعه من ارتكاب أي خطأ في مسيرته نحو هدف الفوز والانتصار لنفسه.
صاحب أحد تلك الحسابات ينصح آخر ويقول له: «أحبب نفسك، وتمتع بالنرجسية ولا تُبالِ، ضع في بالك أن تكون نفسك أولاً، مهما كان، ولا تسمح لأحد أن يتجاوزك». ببساطة يوجّه مجهول نصيحة أن تلبس رداء الموضوعية والثقة والعلم، بأن يكون الطرف الثاني مضطرباً نفسياً، أن يمرض ويكون معتلاً، ثم أن يمارس هذا الاعتلال على أهله ومجتمعه وأصدقائه، فهل تعتقدون أن صاحب ذلك الحساب سيخضع للمساءلة أو التحقيق؟ إطلاقاً، هناك من سيؤيده ويضع علامة إعجاب.
لكم أن تتخيلوا أن يأتي أحدهم ويمتدح الأنانية، ويعلي من قدر الذاتية وحب النفس، ويروج للأفكار المريضة التي صنفها الطب النفسي باضطرابات وأمراض، وصاحب هذا الحساب المجهول يمتدحها وينصح بها ويروج لها. إنها حالة غريبة نراها على كثير من مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يكتب كل واحد ما يراه هو الصحيح، ولا مشكلة في التعبير عن الرأي، ولكن ليس على حساب العلم، وليس على حساب الحقائق العلمية. من أجل هذا يجب علينا الوعي، وفهم آلية مواقع التواصل الاجتماعي، وكيفية عملها، ونأخذ الانطباع العام بأن ما يكتب فيها وما يتم تداوله ليس بالضرورة حقيقة مسلّماً بها.