عادي
مسيرة حافلة لقامة إنسانية وطنية شامخة

تريم عمران.. 20 عاماً على الغياب لم يفارق قلوب محبيه

00:01 صباحا
قراءة 7 دقائق
Video Url

إعداد: جيهان شعيب
منذ عشرين عاماً وفي مثل هذا اليوم 16 مايو عام 2002، رحل عنّا تريم عمران تريم، الشامخ قيمة وقامة، والسياسي والإعلامي الملتزم، الصادق قولاً وموقفاً، والأصيل منبتاً، والحر كلمة، والباقي في قلوب من عايشوه وعاصروه وتعلموا منه، وتتلمذوا على يده، واستقوا منه المبادئ، والأصول.

1
زايد في حديث مع تريم عمران في إحدى المناسبات

ورغم سنوات الغياب الطويلة للراحل، لا بد حين الاحتفاء بذكراه العطرة، من استرجاع بعض ما قدمه، وسعى في تحقيقه، مع شقيقه الراحل الدكتور عبدالله عمران تريم، فضلاً عن أدوارهم البارزة، التي كانت ولا تزال ذات وقع مؤثر، بما في ذلك دورهما المشهود في مراحل قيام الإمارات، أو حين إصدارهما مؤسسة «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر»، التي تولّى تريم عمران رحمه الله، رئاسة مجلس إدارتها حتى وفاته.

وفي عودة للبدايات، نجد أن الراحل تريم عمران، ولد في إمارة الشارقة عام 1942، ودرس مرحلته الأولى في «مدرسة القاسمية» في الشارقة، ولاحظ معلموه حينها تميزه بالاتزان، والخلق القويم، واستنارة البصيرة، وسرعة البديهة. بعدها أكمل دراسته الإعدادية في الشارقة أيضاً، ومن ثم درس مع شقيقه عبدالله عمران في «ثانوية الشويخ» بدولة الكويت، ليعودا إلى الدولة ويستكملا دراستهما الثانوية في «مدرسة القاسمية». بعدها توجه الراحل إلى جمهورية مصر العربية، وأكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب بجامعة القاهرة. ثم عمل في «ثانوية العروبة»، فمديراً ل«مدرسة المعارف» في الشارقة.

1

بالنظر للمسيرة الحافلة بالإنجازات للراحل تريم، نجد أنها بدأت حينما اختاره المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، سفيراً للإمارات في جمهورية مصر العربية، إبان قيام الدولة عام 1972، ومارس العمل الدبلوماسي بكفاءة لقرابة خمس سنوات. وفي عام 1976 ترأس وفد الإمارات في الجامعة العربية.

وفي عام 1977، انتُخب تريم عمران، رئيساً للمجلس الوطني الاتحادي، دورتين متتاليتين، وخلال ذلك خرج بالنقاشات من التقليدية والمناطقية، إلى الشمولية، فضلاً عن وضعه المذكرة المشتركة، وصياغة موادها، وتضمنت مطلباً من الأهمية بمكان، وهو توطيد أركان الاتحاد وتعزيزه، وناقشها المجلس، وعقد لها مع مجلس الوزراء جلستين مشتركتين عام 1979.

1

وقفات لافتة

وكانت لتريم عمران وقفات أخرى لافتة، خلال ترؤسه المجلس الوطني، تبلورت في مطالبته المستمرة بتوسيع الصلاحيات الاتحادية، وتقليص السلطات المحلية، ليعمل المحلي مع الاتحادي لمصلحة الوطن والمواطن، وإصراره على أن تسري التشريعات الاتحادية ومشروعات القوانين التي يجيزها المجلس، على كل أنحاء الدولة إعمالاً لنصوص الدستور الذي أعطى الاتحاد حق التشريع، ورفضه تمديد دستور الدولة الذي ظل لمدة طويلة مؤقتاً، والتشديد على أن يكون للدولة دستور دائم، وتم ذلك بالفعل في مرحلة لاحقة، ومطالبته بعرض قانون المصرف المركزي على المجلس، لمناقشته، تنفيذاً للخطوات الدستورية.

وكان الراحل تريم، عضواً مؤسساً في مُنتدى التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي، كما عمل نائباً لرئيس مجلس أمناء «مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية»، وكان رئيساً للجنة الإمارات للتكافل الاجتماعي، وعمل عضواً في مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية.

1

قصة «الخليج»

وجاءت المرحلة الحاسمة في حياة الشقيقين تريم وعبد الله عمران عام 1970، عندما قررا تأسيس منبر إعلامي وطني سياسي، يتناولان فيه التغيرات التي تشهدها منطقة الخليج العربي، ولم يكن الأمر يسيراً، أو الأرض ممهدة لمثل ذلك، إلا أنهما بجهد شخصي، وإمكانات متواضعة للغاية لا تتجاوز راتب كل منهما الذي لا يتعدى 1500 درهم، فقد تحديا الصعوبات، وواجها بشجاعة المخاطر، وخاضا الحروب المختلفة بجسارة، ومضيا في تحقيق حلمهما، وكان لذلك قصة، وعنها قال يوماً الراحل الدكتور عبدالله عمران «كان إصدار «الخليج» تجسيداً لرسالة إعلامية ومبادئ آمن بها المؤسسون، وتبلورت بقيام مشروع وحدوي في الخليج بعمق عربي، وانتماء قومي، وترسيخ الهوية الحضارية العربية، والإسلامية، وتأكيد الذاتية الثقافية العربية المستمر، وطرح أفكار للنهوض، والتنوير، والمعرفة، والحريات العامة، والغاية أن تكون «الخليج» ضمير الوطن والأمة، وصوت الإنسان العربي في كل مكان».

1

الوضع السياسي

وقال الراحل تريم عمران «كان الوضع السياسي حينذاك مقلقاً جداً، وينذر بمخاطر جمّة، وصعوبات ستواجهها الإمارات، إذا استمر وضعها السياسي المتصف بالتجزئة، والتّفتّت، الإنجليز قرروا الانسحاب، والمنطقة مجزأة، وليس هناك كيان سياسي واحد، يستطيع التعامل مع احتمالات المستقبل، بينما شاه إيران لديه مطامع أعلن عنها، فكانت الدعوة إلى إقامة كيان قادر على مواجهة التحديات، والعمل على تحقيق وحدة المنطقة، كانت الأخطار كبيرة، والعمل المنظم شبه معدوم في منطقة تزداد أهميتها الاستراتيجية بعد تدفق النفط في أراضيها.

وكانت الخطوة الأولى إصدار مجلة سياسية شهرية هي «الشروق»، ثم اتجه الجهد نحو إصدار «الخليج»، أول جريدة سياسية، وعندما فكّرا في إصدار المطبوعة واجهتهما مشكلات مختلفة، أبرزها أنه لم يكن بمقدورهما تكبد خسائر، أو كلفة إصدار مطبوعة صحفية، ومع ذلك قرّرا خوض التجربة، وتحقيق الهدف، ولأنه لم تكن في الشارقة والإمارات المتصالحة مطابع مؤهلة لذلك، قرروا التوجه إلى الكويت. واختاروا ناشراً يدعى فجحان هلال المطيري، يمتلك مطبعة حديثة مع زوجته غنيمة المرزوق، التي تصدر مجلة أسرية تدعى «أسرتي»، وتعهد لهما بطباعة المجلة (وجريدة الخليج بعد ذلك) تحت الحساب، وكانت المادة الصحفية تكتب في الشارقة، وفي الأسبوع الأخير من كل شهر، يحملها تريم عمران ويوسف الحسن إلى الكويت، ويعودان بها مجلة مطبوعة.

بعد ذلك فكّرا في إصدار مطبوعة سياسية يومية تتصدى للمستجدات، والتحديات بالرسالة الوطنية ذاتها التي جاءت عليها «الشروق»، فكانت «الخليج» التي صدرت في أكتوبر عام 1970، ومثلها مثل «الشروق»، كانت تصدر بين الشارقة والكويت، حيث يتولى الصحفيون في الشارقة جمع الأخبار وتلقيها عبر الهاتف، ثم كتابتها، وإرسالها إلى الكويت، وانتظارها صباح اليوم التالي، حيث كانت هناك رحلة طيران يومية بين الكويت والشارقة.

1

حروب مختلفة

ومن الحقائق غير ذات المجال لإضافة أو تغيير، أن «الخليج» خاضت حروباً مهنية وسياسية منذ صدورها الأول، حيث شعر أصحاب الصحف في الكويت بالمنافس الجديد، فطالبوا الحكومة الكويتية بوقف إصدارها في بلادهم، وكذلك خاضت الجريدة حرباً شرسة مع وكلاء شاه إيران في المنطقة، وتعرضت لضغوط عنيفة، بسبب إصرارها على عروبة الخليج، والجزر الإماراتية التي احتلت العنوان الرئيسي للجريدة غير مرة، وهو «لا تفريط في الجزر.. لا استثمار، لا مشاركة، لا تنازل»؛ ومن ثم أزعجت اللاءات الثلاث الشاه، فحاول إغراء أصحاب «الخليج» بالمال، لعلمه بالمصاعب المادية التي يواجهونها، بسبب كلفة الإصدار في الكويت، وشحن الجريدة بالطائرة يومياً، ولكنهم، رفضوا العرض الإيراني السخي، وأصروا على استقلاليتها التي بدأت بها.

1

المعتمد البريطاني

لم تُرضِ جرأة «الخليج» المعتمد البريطاني في الإمارات المتصالحة، فألحّ أكثر من مرة على إغلاق الجريدة، على أساس أنها تفسد الجهود التي تبذلها بريطانيا آنذاك لحل مشكلة الجزر، حيث انزعج من خطاب «الخليج» القومي الذي يذهب أبعد بكثير من حدود الشارقة، إلى جميع الإمارات في الاتحاد والخليج، وكان يعي أن «الخليج» صدرت من أجل الخليج الموحد، وطلب السير وليم لوس الوزير البريطاني، في اجتماعه مع الدكتور عبد الله عمران إغلاق الصحيفة، والتوقف نهائياً عن الكتابة عن مفاوضات الجزر، فرفض، وكان ردّ أصحاب «الخليج» أن بريطانيا احتلت المنطقة زهاء 150 عاماً، وجعلتها في طي النسيان، لا تعليم ولا صحة ولا أية خدمات، بينما عندما قررت الانسحاب، تطلب من أهلها السكوت عن جريمة ترتكبها، بتسليم جزء من أراضيها إلى شاه إيران.

مواقف خالدة

كان للراحلين تريم وعبد الله عمران، مواقف كثيرة بارزة لا يمكن بحال إغفالها، أبرزها تجلَّى في جميع مراحل تأسيس الإمارات، حيث كانا ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات التي سبقت الاتحاد السباعي، وممن طالبوا بتوحيد إمارات الخليج التسع، عقب خروج الاحتلال البريطاني، مطلع السبعينات من القرن الماضي، فيما عندما ظهرت صعوبة قيام الاتحاد التساعي، كانا في مقدمة المنادين لإقامة الاتحاد السباعي، الذي هو اليوم دولة الإمارات، بقوله حينذاك: «عندما شعرنا بأنه لن يتفق على اتحاد تساعي، طلبنا أن يضم الاتحاد الإمارات السبع، وقلنا فليكن سباعياً، لأن المنطق والواقع يشيران إلى أن إمارات المنطقة كلها بيوت متجاورة».

شهادات حق في الراحل

أبصرت صحيفة «الخليج» النور في يوم الاثنين 19 أكتوبر 1970على يد المرحومين تريم وعبد الله عمران، وتجلت رسالتها في الدفاع عن كل القضايا الوطنية، والقومية، ومناصرة الحق في كل مكان، وجسدت «الخليج» رسالة إعلامية آمن بها أصحابها، تبلورت حول قيام مشروع وحدوي في الخليج بعمق عربي، وانتماء قومي، وترسيخ الهوية الحضارية العربية والإسلامية، والتأكيد المستمر على الذاتية الثقافية العربية، وطرح أفكار للنهوض، والتنوير، والمعرفة، والحريات العامة.

ومنذ انطلاقتها الأولى حرصت «الخليج» على أن تكون مثالاً للعمل الإداري المتميز، للوصول إلى قمة العمل الصحفي، وبمرور السنين شهدت تطوراً ملحوظاً، وأضحى يصدر عن دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر، صحيفة «جلف توداي» اليومية، باللغة الإنجليزية، ومجلة «كل الأسرة»، وغيرهما.

كلمات ومشاعر

تعددت الكلمات التي قيلت في الراحل تريم عمران والتي انطوت على مشاعر صادقة من أصدقائه، وتلاميذه، ومن اقتدوا به، وكان مثلهم الأعلى، وفي مجملها عبرت عن صفات تميز بها الراحل، ومنها أنه كان شخصية عروبية من طراز عميق في صدقه وتفاعله المباشر مع القضايا العربية الكبرى، وكان في تجربة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والإمارات ما يستحق أن يكون أنموذجاً لإنجاز مشروع قومي عربي جديد، يقوم على سلطان العقل، والفكر العلمي، وتوزيع الثروات، والحرية، واحترام الدستور، والمواثيق، والأعراف المتفق عليها، وأن مشروع تريم عمران الإعلامي هو خطوة واثقة على الدرب العربي الطويل، لتحويل عصر التنمية السياسية، والفكرية، والثقافية العربية، إلى عصر حضارة فعلية، مكافئة لإمكانيات الأمة، ومعبرة عن مثلها الإنسانية الراقية، والعظيمة.

ومما قيل أيضاً عنه: جميع من كان حول تريم انجذب إلى قلبه الطيب، جاذبية هذا القلب كانت ساحرة، وآسرة، وغير قابلة للمقاومة، وقع الجميع في حبه، سيبقى هذا القلب حياً، ينبض بالحياة، مع مطلع كل يوم جديد، نرى اسمه مشعّاً اليوم أكثر من أي وقت في الصفحة الأولى من الخليج، نقرأ صحيفته اليوم أكثر من أي يوم، نتعلق برؤيته، ورسالته الآن، وسنعمل بها في المستقبل، مواقفه المبدئية، وثوابته الوطنية، والقومية، ستكون بعد اليوم ثوابتنا.

وقيل فيه: كان من الرجال الذين يتفردون بسجاياهم، ولا يعيرون كبير اهتمام للانطباعات، والتداعيات، والتسارعات، والأهواء، كما كان مسبوكاً بنزعة خلاقة، وبقوة روحية هائلة، جعلته دوماً يميز الجواهر، ولا يتخلى عن رؤاه، وخياراته، مهما تكن المصاعب، لأنه لم يقتنع بالفكرة إلا بعد تمحيص، ودرس عميقين، وكان ديدنه التشاور، وفرد مساحات للتدارس، وتبادل الآراء، وبهذه العقلية المؤسسية الراكزة، استطاع إقامة صرح متين لمؤسسة بيانها الخطاب، وأساسها الرأي البنّاء، وفضاؤها العمق العربي، بكامل اعتمالاته، وهواجسه، وتحدياته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"