سبعمئة يوم للإقلاع

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تستطيع أن تتصوّر كيف سيكون الطفل، بهذا الطرح، عند عتبة المدرسة أوّل مرّة، في الصف الأوّل الابتدائي؟ صحيح أن المناهج ستتطوّر، ستحوّر أو تغيّر المقرّر الدراسي، حتى نهاية السلّم، لكن ما قبل المدرسة أيضاً يجب أن يتحوّل، فمن سنّ الرابعة إلى السادسة سبعمئة يوم، حرام أن تضيع سدى.

الذكرى تنفع أدمغة التخطيط التربوي الحصيف. يصرّ القلم على أن أولياء الأمور وخبراء التربية، لن يعثروا، بمعنى ألاّ يُتعبوا أنفسهم في محاولة العثور على حلّ سحريّ يجعل ألسنة الصغار تستقيم بعربية فصحى، غير مخاطبتهم بعربية فصيحة في الحضانة أو التمهيدية قبل الابتدائية. ذانك العامان أنجع من عشرين سنة نحواً وصرفاً.

لقد قال علماء النحو في القرون الخالية: «النحو صنعتنا، واللحن عادتنا». قديماً، لم تكن لديهم شبكة عنكبوتية، ألعاب حاسوبية، برمجيات، أفلام، وسائط تواصل اجتماعي، ولا ولا، فمساحة تعلّم اللغة كانت أوسع، ولم تكن الإنجليزية سائدة في العلوم والتقانة والعمل والإدارة. بالمناسبة، في مناهج العربية، نرى الكثير من الأمثلة التي على التلميذ حفظها، وامتحانه فيها، هي عربية لم تعد مستخدمة أصلاً في الحياة العامّة، تحريراً وتكلّماً. أشياء لا يجد الطالب مكاناً لاستعمالها، لا في أنفاق الأرض ولا في سلالم الجوّ. في أيّ عالم يعيش الكثير من نحو المناهج وصرفها؟ لدينا في المفردات: المستعمل، المهمل مثل عملّس وعقنقل، وغير المستعمل. علماء العربية في مجامع اللغة، وهم السلطة التشريعية اللغوية، عليهم التفضل بمراجعة قواعد في الكتب المدرسية، ومساعدة المناهج على حذف المهمل نحواً وصرفاً، وهذا جزء من التبسيط الذي نطالب به.

الحذف من المناهج لا يعني الحذف من اللغة العربية. عجباً للعقل العربي، فقد دعا الجاحظ قبل ألف سنة، إلى عدم تعليم الصبيان من النحو، إلاّ ما ينفعهم في حياتهم اليومية. بريد عقولنا، لا تصل فيه الرسالة حتى في ألف سنة! أبلغ من ذلك، أن في ميراثنا الثقافي التربوي، جوهرة لا يُتعبنّ أحد نفسه بمحاولة العثور على نظير لها في كل التراث الإنساني، قول الإمام علي كرّم الله وجهه: «لا تعلّموا أولادكم ما عُلّمتم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»، أو كما قال، فالجوهر باقٍ راقٍ، في الشطر الأوّل من كلامه. تلك هي التربية المستقبلية، التربية الاستباقية، التربية الاستشرافية.

لزوم ما يلزم: النتيجة الاستئنافية: بقي الكثير في الموضوع، فسبعمئة يوم لا يمكن تلخيصها في عمود واحد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"