عادي
يوسف الحسن يقرأ جدل التاريخ والعروبة

الأمل.. العنوان الأبرز في النهضة الإماراتية

22:00 مساء
قراءة 3 دقائق

د. جاسم عبدالغني الخلوفي
كتاب «الإمارات.. سيرورة النهضة وجدل التاريخ والعروبة» للدكتور يوسف الحسن، هو كتاب صغير في حجمه، كبير ثري في تنوعه ومحاوره.. الكتاب يعكس «عصارات فكرية» للمؤلف حيال عملية بناء الدولة الوطنية، وصيانتها من التآكل الداخلي، والأطماع الخارجية، وكيفية بناء الإنسان، وبناء مؤسسات الدولة الحديثة، ودور القيادة التاريخية في بناء ونهضة الأمم.

أعجبني المحور الذي يتناول «صناعة الأمل»؛ حيث يرى المؤلف أن العظماء هم من يصنعون الأمل عندما تسود ثقافة الإحباط واليأس والتشاؤم، وأن صناعة الأمل لا يجيدها إلا أصحاب النفوس الكبيرة، والطموحات العظيمة، ويضرب المؤلف مثلاً باليابان، التي ضربت بقنابل ذرية، وذل إمبراطورها، وانكسر جيشها، لكنها نهضت من هزيمتها ووقفت على قدميها.

انظر أيضاً إلى حالة كوريا الجنوبية، وألمانيا التي مزقتها الحروب، ودمرت مدنها وتم تقسيمها، ثم استفاقت لتصنع الأمل، وتعيد لملمة ما تحطم من عظامها ولحمها.. استفاقت لتصنع الأمل، ولتوقد شمعة لتبديد الظلام الدامس واليأس الخانق. اليوم بالحلم والأمل والعمل، تقود ألمانيا باقتدار القاطرة الأوروبية.

لقد أدركت الإمارات أهمية صناعة الأمل، وبناء الجسور فوق بحور الإحباط واليأس والقلق في منطقة جغرافية مأزومة، حبلى بالصراعات والتوترات والحروب.. الإمارات عنوانها اليوم: «الأمل والممكن» لا وجود لكلمة مستحيل في قاموسها.. يشير د. الحسن إلى أن صناعة الأمل في الإمارات تحتوي على الكثير الذي يكتب عنه مؤرخو المستقبل، وهو يتركز أساساً حول: تحويل التحديات إلى فرص، وتحويل العقبات إلى «روافع للنهوض».

القدرة على التأثير

يرى المؤلف أننا نمتلئ إحساساً بالأمل، عندما نشعر بأننا قادرون على التأثير في مستقبلنا، فنملك حينها إرادة الفعل، وهي الإرادة التي دفعت عجلة التقدم الإنساني قدماً إلى الأمام، وبعبارات الكاتب، فإن الأمل يجعل من حياة الناس رحلة ضوء، وعطاء متدفقاً، ويرى الكاتب أن صناعة الأمل في الإمارات أثمرت صروحاً معمارية وتراثية وثقافية وتعليمية وبنى تحتية حديثة.. وبفضل الأمل، حققت الإمارات درجات عالية في التنافسية الدولية، وخلقت نموذجاً تنموياً ملهماً، ليتجاوز حدودها، حتى وصلت إلى آفاق الفضاء واقتحام المستقبل.

في محور آخر يحمل عنوان «تخيل المستقبل» يطوف بنا د. الحسن في عالم استشراف المستقبل، ويرى بأن هذا الحقل «الاستشراف» غاب عن الثقافة والممارسة العربية، فتعامل العرب آنياً ولحظياً مع الأزمات والأحداث، دون استشرافها من قبل.. لقد باغتتنا الأزمات والأحداث على حين غرة، واستيقظنا متأخرين على «بجعة سوداء» تسرح وتمرح في حدائقنا الداخلية، لأننا اعتقدنا -خطأ- أن المستقبل كله عبارة عن «بجع بيض»! لذلك يصر المؤلف على ضرورة قراءة واستشراف المستقبل الغامض، والإلمام بمتغيراته اللامتوقعة والتي تسمى «بالبجعة السوداء»! وما موجة الربيع العربي التي ضربت العالم العربي، وصعود «داعش» وأخواتها، والأزمات المالية المتلاحقة، وتفشي «كورونا»، إلا دليل على فشلنا في استشراف المستقبل.

رأس مال اجتماعي

ويطرح المؤلف في محور آخر سؤالاً مهماً: هل يوجد لدينا رأسمال اجتماعي؟، ويعترف في إجابته عن هذا السؤال، بتأكيده على أن المخزون المتراكم من رأس المال الاجتماعي هذا ما زال ضعيفاً، ويقصد برأس المال الاجتماعي قدرة الأفراد على التفاعل والتعاون فيما بينهم طواعية للصالح العام، لتعزيز مناعة المجتمع واستقراره.. كما يرى د. الحسن أن للثقافة والفنون دوراً مهماً في تكوين رأس المال الاجتماعي، من خلال تلقين وتعليم وتدريب التلاميذ على مهارات العمل الجماعي، وزرع بذور هذه المهارات التربوية في نفوس الأجيال الشابة منذ نعومة أظافرهم، وكذلك إشراك أولياء أمور الطلبة في هذه النشاطات اللاصفية في المدرسة. ويطرح المؤلف أبرز تجليات ومؤشرات ضعف المخزون المتراكم من رأس المال الاجتماعي، وهي تتركز على فقدان الاهتمام بالانضمام إلى مؤسسات وجمعيات النفع العام، والعزوف عن ثقافة العمل التطوعي، والاعتماد الكلي على الدور الحكومي الرسمي، ثم يثير سؤالاً آخر حول منظومة القيم في مجتمعات الخليج.. ماذا جرى لها؟ وهل ما زالت متماسكة في بيئة شديدة وسريعة التغيير؟.. ويدعو إلى ضرورة دراسة منظومة القيم في مجتمعاتنا الخليجية، التي أصابتها رياح التغيير، ودخلتها ثقافات وقيم مختلفة خلال العقود الخمسة الماضية.

هو من دون شك كتاب ثري يستفز عقل القارئ بمصفوفة من الأفكار التي تمسّ الأمن القومي للدولة العربية، وتحصين الجبهة الداخلية ضد الأطماع أو المشاريع الخارجية التي تستهدف إضعاف الدولة وتفكيكها واختراق نسيجها الاجتماعي.. هذه الأفكار والرؤى الثرية تحتاج إلى عقد ورش عمل داخلية مغلقة، وجلسات من العصف الذهني لمناقشتها والاستفادة منها.

أسئلة جوهرية

يطرح المؤلف أسئلة جوهرية حول أهمية غرس بذور المواطنة والهوية الوطنية الجامعة في التربة العربية.. كما يثير مسألة إدارة التنوع والتعدد والاختلاف في البيئة العربية، للحيلولة دون انزلاق الدولة إلى الهويات الثانوية الصغرى، وتفتيت الجبهة الداخلية، واختراق النسيج الاجتماعي للدولة.

سفير سابق متقاعد

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"