مأساة التاريخ عدم قراءته

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

أليس عجيباً أن التاريخ، وهو سجلّ وقائع الشعوب والأمم، تبرهن الأحداث دائماً، على أن من يصنعونه لا يتعلمون منه؟ ألا يتفكر المرء مليّاً، قبل أن يسأل: هل يقرأ الأوروبيون تحديداً، الحربين العالميتين، الأولى والثانية؟ تتطيّر النفس من كلمة «الثانية»، خشية أن تعقبها ثالثة. أمّا الرابعة، فقد قال أينشتاين: «إنها ستكون بالعصيّ». حقاً، لِمَ لا يجعل الكبار الثانية هي الأخيرة؟ الأولى أبادت عشرين مليون آدمي. والثانية ستين مليوناً، والله أعلم بالمصير.
كم عدد الكتب التي ألفها الأوروبيون، فقط، في مادّة التاريخ، فقط، منذ عصر النهضة؟ إذا كان المقصود أوروبا الغربية، فسيفوق مجموع المؤلفات قمّة «مون بلان» (4800 متر) في جبال الألب، أمّا في أوروبا، شرقها وغربها، فسيتجاوز قمة «ألبروس» في القوقاز (5600 متر). ما الفائدة إذا كانت القارّة السابحة على بحر من الفكر والفلسفة والمعرفة، غير قادرة على فهم حكمة شاعرنا الجاهلي طرفة بن العبد البكري: «قد يبعث الأمر العظيم صغيرُهُ..حتى تظل له الدماء تَصبّبُ»؟
ما الجدوى إذا كان الجنرال الفرنسي الذي جعلنا نكتشف ابن خلدون، وفيلسوف التاريخ، البريطاني أرنولد توينبي، الذي سار على نهج الفكر الخلدوني في النظر إلى الحضارات في مراحل حياتها حتى انهيارها، لم يفيدا أوروبا والغرب؟ أليس الغرب هو الذي أخذ العالم على يديه دروس الجغرافيا السياسية والاستراتيجية؟ 
من سخريات الزمن أن هنري كيسنجر، الذي كان دائماً أعلى درجات مقياس حرارة الدبلوماسية الساخنة، قد أوصى سنة 2014، في ما هو رؤية نوستراداموسية ثاقبة، بضرورة التروّي وحسن التصرف إزاء العلاقة بين روسيا وأوكرانيا، لأن الأخيرة في نظره يجب أن تكون جسراً بين الشرق والغرب.
السلام سلام الكوكب كله كاملاً غير منقوص. لعبة الحرب والسلام، لم يعد فيها مثقال ذرّة من متعة رائعة ليو تولستوي «الحرب والسلام»، فاليوم تدرك الإنسانية في كل القارات، أن أثمن ما في الحياة هو البقاء على قيد الحياة، وأن الحياة لم تعد سوى حنطة وذرة وزيت دوّار الشمس. الإنسان لا يأكل دبابات ولا طائرات، لا حواسيب ولا ألعاباً حاسوبية، التغريدات لا تسمن، وميتافيرس لا تغني من جوع. سعادة البشر هي في أن يتوافر لهم «العيش والملح».
لزوم ما يلزم: النتيجة الروائية: أوروبا لم تكن تتخيّل الحرب في ديارها. هل يدرك عقلاؤها معنى بداية الحرب؟ عليهم أن يتصوروا ارتداد الفرار من الجحيم، بمشاهد «موسم الهجرة إلى الجنوب».
 [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"