عادي
الأسبوع السياسي

الانتخابات اللبنانية.. برلمان التحديات الصعبة

00:38 صباحا
قراءة 4 دقائق

بيروت - رامي الكفوري:

أسفرت نتائج اليوم الانتخابي الطويل في لبنان الأحد الماضي، عن فسيفساء سياسية مختلفة في النوع والكم عن الاستحقاقات الانتخابية السابقة منذ عام 1992، ويمكن قراءتها وفق الوقائع التالية:

* أولاً: صعود التيار التغييري من خارج المنظومة السياسية التقليدية موالاة ومعارضة، وحصوله على حصة وازنة من المقاعد. ومع التمني بأن يعمل هذا التيار، الخارج من رحم المجتمع المدني، ككتلة برلمانية موحدة، فإن مجرد حصوله على هذه النتيجة يعكس اتجاهات الشباب اللبناني، ورغبته في التغيير، خصوصاً من هاجر منهم إلى الخارج في السنوات الأخيرة، وتحديداً بعد انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وانفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2022. ويبقى السؤال عن مدى قدرة هذه الكتلة من النواب، الذين يتطلب تأثيرهم اجتماعهم في إطار موحد، على كسر رتابة الحياة البرلمانية التي طبعت عمل المجالس النيابية السابقة. وستكون هذه الولاية امتحاناً للنواب الجدد الذي دخلوا ساحة النجمة على حصان التغيير المجنح، والوعد بتصويب البوصلة نحو إنجازات تشريعية نوعية في العديد من المجالات التي تنتظر مبادرات سريعة لانتشال الوضعين المالي والاقتصادي ووقف تدهورهما الكارثي.

* ثانياً: غياب شخصيات سياسية تقليدية وحزبية عريقة ومعروفة عن المشهد بعدما خرقت من قبل مرشحي المجتمع المدني. وأبرز هؤلاء: نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي، الأمير طلال ارسلان، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي اسعد حردان، رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب وجميعهم من المعروفين بقربهم من القيادة السورية، ودعم الثنائي الشيعي لهم.

* ثالثاً: قدرة الحزب التقدمي الاشتراكي بفضل «الهندسات» السياسية والانتخابية التي قادها الوزير والنائب السابق وليد جنبلاط على الاحتفاظ بستة مقاعد للدروز من أصل 8، لكن المفاجأة كانت في أن المقعدين الدرزيين الباقيين خسرهما الخصمان التقليديان له: ارسلان ووهاب. وكان بديل في عاليه الناشط مارك ضو، فيما أسقط ناشط آخر في دائرة الجنوب الثالثة وهو فراس حمدان مرشحه الوزير السابق المصرفي مروان خير الدين.

* رابعاً: استطاع الثنائي الشيعي (أمل - حزب الله) رص صفوفه على الرغم من الأصوات الاعتراضية في بيئته ضد النهج و«تأبيد» عدد من المرشحين وفرضهم، ونشاط معارضيه من مشارب سياسية عدة والمجتمع المدني، فكان نواب الطائفة ال 27من نصيبه. وهكذا فرض الثنائي نفسه الطرف الصعب في المعادلة البرلمانية، فلا رئيس للمجلس النيابي من خارجه، ولا تؤلف حكومة إذا رفض أن يشارك فيها تبعاً لإمساكه بأحد مفاتيح الميثاقية الرئيسة (..) غير أن الثنائي الشيعي فشل في حماية أقرب حلفائه من سنة ودروز ومسيحيين، وخسر في تكوين مروحة حاضنة قوية من الحلفاء من خارج «التيار الوطني الحر» الذي أفاد من دعم «حزب الله» له على الرغم من الخلل في التواصل الصحيح بين الثنائي والتيار الذي أدى إلى خسارة الطرفين مقاعد جزين الثلاثة. وهذه المنطقة كانت منذ عام 2005 معقلاً؛ بل حصناً للتيار، لم تتدن فيها حصته عن ثلاثة نواب أو نائبين. وهذا الخلل أدى إلى ذهاب مقعدين للقوات اللبنانية وآخر لمستقل على لائحة النائب أسامه سعد.

حصص جديدة

* خامساً: زيادة حصة القوات اللبنانية عما كانت عليه في انتخابات عام 2018؛ إذ تخطت العدد 15 إلى 19 في هذه الانتخابات، وكان بارزاً أنها استطاعت أن تحافظ على المقعد الماروني في بعلبك - الهرمل أحد المعاقل المهمة للثنائي،وأن تستفيد من الاشتباك السياسي بين الرئيس بري والتيار الوطني الحر كما جرى في دائرة صيدا- جزين وفوزها بمقعدين في الأخيرة على الرغم من أنها أصيبت بانتكاسة بخسارتها المقعد الثاني في بشري؛ حيث حل وليام جبران طوق محل النائب القواتي المنتهية ولايته جوزف إسحق.

* سادساً: على الرغم من أن مبدأ «السلطة تستهلك صاحبها وتضعفه» ينطبق تماماً على التيار الوطني الحر، فإنه استطاع أن يحافظ، على الرغم من الضغوط والحرب الإعلامية، على كتلة نيابية بلغت 21 نائباً في حين كانت في المجلس السابق 29 نائباً. ولعل أبرز ما جرى هو عودة رئيس التيار جبران باسيل إلى موقعه النيابي عن منطقة البترون بعدما واجه حرباً ضروساً استخدم فيها خصومه كل الوسائل التي يسمح بها القانون. وفي حين شنّ باسيل هجوماً قاسياً على القوات اللبنانية، فإن ذلك يؤكد عمق الاصطفاف الذي ينتظره لبنان بعد هذه الانتخابات.

* سابعاً: الوضع السني: قد تكون هي المرة الأولى منذ عام 1992 التي يجد فيها السنة أنفسهم بلا خيمة داخلية جامعة وذلك بسبب دعوة الرئيس سعد الحريري إلى مقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة فيها. وقد أدى ذلك إلى تبلبل قاعدة «المستقبل» العريضة في جميع المناطق ذات الثقل السني على أن نداءات المفتي عبد اللطيف دريان، أسهمت بنسبة محدودة في كسر حدة المقاطعة، لكن الواضح هو أن النتيجة جاءت على غير ما يشتهي الحريري ومن عارض توجهه وعمل على إحباطه فتفرق نواب السنة، وكان للمجتمع المدني فيه حظ ونصيب، كما لسواه من القوى في 8و14 مارس/آذار. ومن المبكر معرفة كيف ستتشكل المجموعة النيابية السنية في المجلس.

تحديات جديدة

إن المجلس النيابي الجديد بات خارجاً عن سيطرة «الثنائي الشيعي» وحلفائهما الذين باتت الأكثرية خارجهم (68/60) على أقل تقدير، لكن السؤال المطروح هو هل أنها ستكون أكثرية متماسكة تنضوي في جبهة موحدة؟ هل أن الأمر سيسير على هذا النحو أم أن هناك احتمالاً أن يتحول البرلمان الجديد، بعد انتخاب رئيسه في الأيام القليلة المقبلة، إلى ما يشبه البرلمان المشلول والعاجز عن اتخاذ قرارات كبرى، ولبنان على أبواب انتخابات رئاسية؟

.. إنه برلمان التحديات الصعبة، وهذا ما تخشاه بعض الدول الصديقة للبنان، وفي مقدمها فرنسا التي بدأت تعد العدة لاقتراح مبادرة حوار تستضيفه بعد إنجاز انتخاباتها التشريعية، لأن الخطاب السياسي المتبادل والمتشنج لا يزال طاغياً إلى حد يرفع منسوب الاحتقان إلى مستويات غير مسبوقة، مما يطرح سؤالاً مشروعاً:

هل يكون برلمان 2022 طريق الانفراج، أو مدخلاً إلى تأزم كبير يصعب التكهن بمآلاته؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"