عادي

الحرب الأوكرانية.. عودة الأحلاف العسكرية

00:20 صباحا
قراءة 4 دقائق

كتب - المحرر السياسي:

بين الحديث عن أرتال عسكرية روسية بطول ستين كيلومتراً في الأيام الأولى للحرب، متجهة نحو العاصمة الأوكرانية كييف، وبين استعصاء مجمع أوزفيستال في مدينة ماريوبول، تدفق في نهر الحرب الأوكرانية الكثير من الأحداث التي أنعشت ذواكر المحللين في وضع السيناريوهات التي تراوحت بين حرب خاطفة تسقط فيها حكومة فلوديمير زيلنسكي وتنصب حكومة بديلة تابعة لروسيا، وبين هزيمة ساحقة للجيش الروسي وشطب دور موسكو كلياً على المسرح العالمي.

خلف هذا الجهد التنظيري استمر تصاعد المواجهات الأشمل بين روسيا والغرب، الذي اندفع بحماسة ليس لحماية أوكرانيا؛ بل لدرء مخاطر مؤكدة تهدد دوله قبل مصالحه، في حال نجحت موسكو في خططها.

وفرضت صعوبات تحقيق الحسم على الأرض معادلات جديدة عكسها تدفق السلاح الغربي على أوكرانيا متزامناً مع حصار سياسي لقرارها المستقل حال دون استمرار المفاوضات بينها وبين موسكو؛ حيث أعلنت مؤخراً عن قطعها رسمياً بشكل نهائي.

وبينما تتهم موسكو المتطرفين الأوكرانيين بالإرهاب وتنعتهم باسم «النازيين الجدد»، يروج الغرب لملاحم بطولية يخوضها هؤلاء دفاعاً عن أرضهم ويقف بقوة وراءهم في مشهد يوحي بأن الصراع بات أبدياً، خاصة في غياب كامل لمجرد الحديث عن مخرج من الأزمة.

من وجهة النظر الغربية عامة والأمريكية خاصة، بات إنهاك الروس هدفاً استراتيجياً وسط تباهي واشنطن المستمر بدورها في القضاء على الأهداف الروسية وتصعيدها المستمر من خلال ضخ الأموال تباعاً حتى تجاوز ما قدمته حتى الآن 40 مليار دولار، مع حرص واشنطن على استمرار الحرب بالوكالة وتجنب الصدام المباشر مع روسيا النووية.

حرب طويلة

وتوحي تطورات المعارك على الأرض بأن الروس يدركون مرامي الغرب جيداً ويستعدون لخوض حرب طويلة الأجل لكن على طريقتهم الخاصة، باعتبار أن الحرب التي يمسكون بخيوط إدارتها ستكون نتائجها أفضل أياً كانت، قياساً على خطر يتهدد وجودهم.

ونظراً لما يعتري التحالف الغربي من تصدعات ليس فقط على صعيد دول القارة الأوروبية؛ بل حتى داخل دوائر صنع القرار في كل دولة، خاصة في واشنطن التي تعالت فيها أصوات التململ من ضخ الأموال والأسلحة في نزاع بلا أهداف واضحة، فإن أي حل للخروج من الأزمة بلا مكاسب لن يلقى أذاناً صاغية في موسكو.

ويتحدث المحللون عن حتمية السير على طريق واحد من مخرجين خلال الأشهر الستة المقبلة. يقوم الأول، على تبادل روسيا وأوكرانيا الأراضي بزيادات صغيرة، وتتحول الحرب تدريجياً إلى «صراع مجمّد» بأسلوب يشبه إلى حد كبير الطريقة التي خرجت فيها موسكو من الحروب الأخرى في الجوار الجغرافي لروسيا.

في ظل هذا السيناريو، قد يتطلب أي اتفاق سلام دائم تنازل روسيا عن السيطرة على بعض الأراضي في شبه جزيرة القرم ودونباس. وهذا من شأنه أن يمنح موسكو مكافأة كافية للقبول بوقف إطلاق النار، على الرغم من كل شيء خسرته في سياق الحرب. مثل هذا الحل سوف يترك أوكرانيا مشوهة وضعيفة، اعتماداً على مساحة الأراضي التي يتم التنازل عنها بغض النظر عما قد تحققه من نجاح عسكري.

مثل هذه الصفقة لن تكون مقبولة في كييف أو واشنطن أو كليهما. وهذا يعني أن البديل - وهو مأزق دائم يتمثل في الاستعداد لخوض حرب منخفضة الدرجة - من شأنه أيضاً أن يترك أوكرانيا مشوهة وضعيفة، وتعتمد على تدفقات الأموال والمعدات العسكرية الغربية، و تبقى أقل قدرة على إعادة الإعمار ذاتياً.

أما الطريق الثاني فيتمثل في استمرار التماسك الغربي وتعزيز آليات الدعم المالي والعسكري لأوكرانيا؛ بحيث ينجز نصراً من نوع ما على روسيا. إلا أن هذا المسار على الرغم من مكاسبه العسكرية المباشرة لا ينهي الصراع؛ بل ينقله إلى مرحلة أكثر خطورة تضطر فيها روسيا الخاسرة نظرياً لاستخدام أسلحة غير تقليدية توسع دائرة الحرب لتشمل دولاً أعضاء في الناتو، وتتسبب في دمار شامل، وهو ما يحرص الغرب بكل مكوناته السياسية والتنظيمية على تجنبه منذ البداية.

توسيع الناتو

ومع صعوبة ترجيح أي من المسارين في الوقت الراهن تنشط دوائر صنع القرار لدى الطرفين على أكثر من صعيد للتعامل مع مستجدات الصراع. على هذا الصعيد، يسرع الغرب خطوات ضم دول جديدة في الجناح الشرقي من حلف الناتو إلى الحلف؛ حيث تقدمت كل من فنلندا والسويد بطلبي انضمام ينتظر أن تتم الموافقة عليهما على عجل خلال قمة الحلف المقبلة التي تعقد في مدريد نهاية الشهر المقبل. كما دعت فرنسا لتشكيل منظمة سياسية أوروبية تنضم إليها أوكرانيا كمقدمة لضمها إلى الناتو. إلى ذلك تشهد الاستعدادات العسكرية الغربية مزيداً من التحشيد والمناورات التي كان آخرها مشاركة قوات من حلف شمال الأطلسي ودول أخرى في سلسلة من التدريبات العسكرية في فنلندا وبولندا ومقدونيا الشمالية وعلى طول الحدود الإستونية مع لاتفيا.

معاهدة الأمن الجماعي

في مقابل ذلك كانت روسيا حريصة على تكثيف تواصلها مع دول صديقة أو حليفة لتمتين الجبهة المعارضة للهيمنة الأمريكية. ولعل أحدث التطورات على هذا الصعيد عقد قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي في موسكو، والتي تضم مجموعة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة.

ويرى المراقبون أن هذه القمة تندرج في سياق محاولات موسكو إحداث توازن مع حلف الناتو وإيجاد ند له، عبر العمل على تفعيل وتطوير هذه المنظمة، والسعي مستقبلاً لتحويلها لحلف أكبر على غرار حلف وارسو. وقد أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال القمة إلى أن الدول الأعضاء سوف تجري تدريبات عسكرية مشتركة قريباً. وتعكس هذه الخطوة حرص الروس التأكيد على إظهار امتلاكهم أوراقاً قوة ومناطق نفوذ وحيز مناورة أوسع، في مواجهة التمدد الأطلسي الهادف إلى محاصرتهم.

ومن الواضح أيضاً أن الهدف الرئيسي للقمة هو وضع سياسات أمنية جديدة مشتركة بين الدول الأعضاء الموقعة على معاهدة طشقند عام 1992، في مسعى لتطوير تعاونها عسكرياً وسياسياً في ظل الحرب الروسية الأوكرانية؛ بحيث يشكل مظلة عسكرية وأمنية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"