حقيقة الاحتلال

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلي وجماعات المستوطنين تواصل انتهاك حرمة المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية والاعتداء على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، وتعتقل عشرات الشبان وتخطط لإقامة مجمعات استيطانية جديدة، لكن عملية اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، لا زالت محط اهتمام مختلف وسائل الإعلام والهيئات الحقوقية العالمية، باعتبارها جريمة تمت بدم بارد وبقرار من القيادات العليا. شيرين من الجيل الأول من المراسلين الميدانيين، وطوال سنوات كانت هذه الصحفية النشطة في قلب الأحداث الخطرة.

شيرين ليست الصحفية الفلسطينية الوحيدة التي تسقط برصاص الاحتلال أو أسلحته الأخرى؛ بل هي واحدة من قافلة الصحفيين الذين قتلتهم هذه السلطات، والذين زاد عددهم على 46 صحفياً، وذلك منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 وحتى الآن، إضافة إلى اعتقال 15 صحفياً ما زالوا يقبعون في زنازين معتقلاته من بينهم الصحفية بشرى الطويل المعتقلة إدارياً.

أدركت شيرين منذ بدايات عملها أنها في قلب الخطر، وذلك إذا ما كانت تغطي حدثاً ما في ظل وجود هذه القوات، وكانت تحتاط بما يمكن أن يحميها، لكنها للأسف، لم تدرك أن الصحفي في عرف الاحتلال الإسرائيلي هو إرهابي مثله مثل كل فلسطيني يجوز قتله؛ لأنه يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل كما يعتقدون.

إن اغتيال شيرين في وضح النهار وبالصوت والصورة يمثّل جريمة مقصودة ولا توجد قرائن لإثبات عكس ذلك، فمن قام بقتلها كان في نيته القتل العمد.

لقد أفرزت بشاعة هذه الجريمة النكراء ردود أفعال غاضبة عربية وإسلامية ودولية (حقوقية وإعلامية)، ذلك أن المستهدف بارتكابها هو الصحافة والإعلام والحقيقة والكلمة والإنسان، ولكل ذلك يجب ألا يفلت المجرم من العقاب، وأن يحاكم وقادته الذين أصدروا الأوامر بالاغتيال لينالوا القصاص العادل أمام الهيئات المختصة بالعدالة الدولية، بكل ما تمثّله من أركان واضحة كجريمة حرب، وانتهاك لقواعد القانون الدولي. فلا يجوز أن تمر هذه الجريمة ببساطة لأن من ارتكبها سيكررها مرّات أخرى كثيرة، ما دام الاحتلال يجثم على صدور أهلنا الفلسطينيين في كافة المناطق المحتلة، وتجاوزها يعني إعطاء الاحتلال إذناً بمواصلة انتهاكاته واعتداءاته وارتكابه للجرائم والتستر عليها.

لقد جاء مقتل شيرين بعد أيام قليلة من احتفال العالم ب«اليوم العالمي لحرية الصحافة» الذي صادف يوم الثالث من أيار/مايو الحالي، لكن سلطات الاحتلال بجريمتها الأخيرة قدّمت دليلاً إضافياً على أنها لا تحترم الصحافة ولا الصحفيين، كما أنها لا تحترم أي مواثيق أومعاهدات توقّعها، وبالتالي فالحريات الصحفية والإنسانية بالنسبة لها لا تعني شيئاً.

بالطبع، الصحافة تزعج الاحتلال وتثير غضبه؛ لأنها تكشف حقيقته، خصوصاً إذا كانت موثّقة بالصوت والصورة، لهذا كانت شيرين وغيرها من الصحفيين الذين سبقوها إلى الشهادة هدفاً «مشروعاً» لقوات الاحتلال. شيرين بالنسبة لشعبنا وأمتنا العربية وأحرار العالم، مكافحة ومناضلة. وما يثير الريبة هو أن سلطات الاحتلال نسجت رواية كاذبة تبرّر بها جريمتها النكراء، لكن العالم كشف حقيقة الأكاذيب؛ لأن جنود الاحتلال وحدهم من أطلقوا الرصاص.

وطالب الاحتلال السلطة الفلسطينية بالمشاركة في لجنة تحقيق لبحث عملية الاغتيال، وكأن الاحتلال الذي ارتكب جريمته، حريص على كشف المجرم ومعاقبته، خصوصاً أن كل سوابق الجرائم التي ارتكبها الجنود أو المستوطنون كانت التحقيقات تطمسها، وإذا صدر الحكم بشأنها يكون بضعة شواقل.. فهل يعقل أن يعاقب المجرم نفسه؟ والشواهد على صحة ما نقول كثيرة جداً.. أكثر من أن تُعدّ أو تُحصى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"