عادي

عذب الكلام

23:03 مساء
قراءة 3 دقائق
1605

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

أسلوب الحكيم: يُبنى على الحِكمةِ في مخاطبة النّاس، إذ يحدّث الشاعر المخاطب بغير ما يتوقع بتجاهل سؤال المخاطب، أو حَمْل كلامهِ على غير ما كان يقصد؛ كقول الشاعر:

قالَ: ما الرُّوحُ؟ قلتُ: إنّكَ رُوحي

قالَ: ما النَّفْسُ؟ قلتُ إنّك نَفْسي

وقول آخر:

قالَ: ثقّلْتُ إذْ أتيت مـراراً

قُلْتُ: ثقلّتَ كاهِلي بالأيادي

قالَ: طوَّلْتُ، قُلْتُ: لا بَلْ تَطوّلتَ

قالَ: أبْرَمتُ، قلتُ: حَبْلَ وِدادي

فهو يردّ عليه، بأنّه أنْعَمَ عليه، وجعلَ حَبْلَ وِداده مُحْكماً.

دُرر النّظم والنّثر

وَاللَه ما طَلَعَت

الحُسين بن منصور الحلّاج

(بحر البسيط)

واللَه ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَرُبَت

إِلّا وَحُبُّكَ مَقرونٌ بِأَنفاسي

ولا جَلستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُم

إِلّا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلّاسي

ولا ذَكَرتُكَ مَحزوناً وَلا فَرِحاً

إِلّا وَأَنت بِقَلبي بَينَ وِسواسي

ولا هَمَمتُ بِشُربِ الماءِ مِن عَطَشٍ

إِلّا رَأَيتُ خَيالاً مِنكَ في الكَأسِ

ولَو قَدَرتُ عَلى الإِتيانِ جِئتُكُم

سَعياً عَلى الوَجهِ أَو مَشياً عَلى الرَأسِ

ويا فَتى الحَيِّ إِن غَنّيتَ لي طَرَباً

فَغَنّنّي واسِفاً مِن قَلبِكَ القاسي

مالــي وَللناسِ كَم يَلحونَنــي سَفَــهاً

ديني لِنَفسي وَدينُ الناسِ لِلناسِ

من أسرار العربية

فُروق لغويّة: بَيْنَ الأهْل والآل: الأهْل منْ جهةِ النَّسبِ والاخْتصاص؛ فالنّسب قولنا: أهْلُ الرّجل لقرابته الأدْنين. ومن جهة الاخْتصاص، قولنا: أهْلُ الشّام، وأهْلُ العِلم وأَهْلُ البيت: سُكَّانه. وأَهْلُ الرجل وأَهْلتُه: زَوْجُه. أما الآلُ، فالخاصّة من جهةِ القرابةِ أو الصُّحبة؛ نقول: آلُ الرّجل لأهْلهِ وأصْحابهِ، ولا نقولُ آلُ الشام، وآلُ العِلم؛ قال الفرزدق:

نَجَوْتَ، ولم يَمْنُـنْ عليك طَلاقةً

سِوى رَبَّة التَّقْريبِ من آل أَعْوَجا

و«أعوجُ» كان فرساً مشهوراً.

بَيْنَ الابن والوَلدِ: أنّ الابنَ يفيدُ الاختصاصَ ومداومةَ الصُّحبةِ، ولهذا يقال «ابنُ الفَلاة»، لِمنْ يُداومُ سلوكَها. وتقول «تبَنَّيْتُ ابناً»، إذا جعلته خاصاً بك. ولهذا يقال «الناسُ بنو آدم»، لأنّهم منسوبون إليه. والعُلماءُ يسمّون المتعلّمين أبناءهم. ويقالُ لطالبي العلمِ «أبْناءُ العلم». أمّا الولدُ فيقتضي الولادةَ. ولا يسمّى الإنسان والداً، إلّا إذا صارَ لهُ ولدٌ.

بَيْنَ الاخْتيارِ والاصْطِفاء: اختيارُكَ لِشَيْءٍ، أخْذُك خَيْرَ ما فيهِ في الحقيقةِ، أو خَيْرَهُ عِنْدك. والاصْطِفاء، أخْذُ ما يَصْفو مِنْهُ.

هفوة وتصويب

يخطئُ بعضُهم، فيقولُ «دخلنا حديقةً فَيْحاءَ» ويقصدُ، ذاتَ روائحَ عَطِرَةٍ؛ واسعة، والصّوابُ أنْ نقولَ: «حديقةٌ فوّاحةٌ، أو فائحة». ففي صحيح اللغة: فاحَ يَفِيحُ فَيْحاً: سَطَعَ وهاجَ. نقولُ: فاحَتِ الرّيحُ الطيّبةُ فَيْحاً وفَيَحاناً: سَطَعَت وأَرِجَتْ، وخَصّ بعض اللغويين به المِسْكَ؛ وفاحت القِدْرُ وأَفَحْتُها أَنا: غَلَتْ. والفَيْحُ والفَيَحُ: السَّعَةُ والانْتشارُ. والأَفْيَحُ والفَيَّاحُ: كل موضع واسع. بحرٌ أَفْيَحُ بَيِّنُ الفَيَحِ: واسعٌ، وفَيَّاحٌ، أَيضاً، بالتشديد. وروضة فَيْحاء: واسعةٌ، والفعل من كل ذلك فاحَ يَفاحُ فَيْحاً، وقياسه فَيِحَ يَفْيَحُ. ودارٌ فَيْحاءُ:

وكان العربُ يقولون: فِيحي فَياحِ، أي اتَّسعي. وقال الشاعر:

دَفَعنا الخيلَ شائلَةً عليهـم

وقلنا بالضُّحى فيحي فَياحِ

من حكم العرب

لا شَيْءَ في الدُّنْيا أحَبُّ لِناظِري

مِنْ مَنْظَرِ الخِلّانِ والأصْحابِ

وألَذُّ موسيقـى تَســُرُّ مَسامِعــي

صَوــْتُ البَشــير بِعَــوْدةِ الأحْبــابِ

البيتان للشاعر القَروي، يُشدّد فيهما على أنّ الصداقة فوق كلِّ شيء؛ فرؤيةُ الأصْدقاءِ والخِلّان تُبْهج الأنظار، وتبعثُ على التّفاؤل، وسماعُ صوت المبشّر بعودةِ الأحباب، من الموسيقا المُنعشة التي تطيب بها النّفوس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"