الآسيان.. بين الصين والولايات المتحدة

22:44 مساء
قراءة 4 دقائق
4

ستيفن أوكون *

مع تزايد حدة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، لا يمكن أن يكون توقيت القمة الخاصة بين أكبر اقتصاد في العالم والآسيان أكثر أهمية مما هو عليه اليوم. فبعد تأجيلها في اللحظات الأخيرة من شهر مارس/ آذار الماضي، عُقدت القمة أخيراً الأسبوع الماضي في واشنطن العاصمة، واستقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن قادة دول جنوب شرق آسيا بوعود لدعم الطاقة النظيفة والأمن البحري، على أمل إظهار التزام الولايات المتحدة بالمنطقة، بينما تعزز الصين موقعها بشكل كبير فيها.

تتجسد المنافسة الأشد بين الولايات المتحدة والصين في منطقة جنوب شرق آسيا، وبينما تتم تسوية الشراكات بينهما في العديد من الأماكن، مثل «شراكة بلا حدود» بين الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والمتشابكة اقتصادياً وعسكرياً مع انضمام كل من أستراليا والهند واليابان، تسعى الدول العشر في رابطة دول جنوب شرق آسيا إلى المحافظة على علاقات إيجابية مع كل من واشنطن وبكين. ولإعادة صياغة تعبير رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونج، فإن جنوب شرق آسيا «لا تريد الاختيار» بين الصين والولايات المتحدة.

من الناحية الاقتصادية، ترتبط دول الآسيان ارتباطاً وثيقاً بالصين التي تبلغ حجم تجارتها معها ضعف مثيلتها مع الولايات المتحدة تقريباً، لتصل إلى 685 مليار دولار في عام 2020، مقابل 362 مليار دولار مع الولايات المتحدة.

ومع تخلف الولايات المتحدة عن الصين فيما يتعلق بالتكامل الاقتصادي في المنطقة، ستكون القمة اختباراً وفرصة كبيرة للرئيس جو بايدن لطمأنة قادة المنطقة بأن واشنطن ستزيد ارتباطها مع رابطة دول جنوب شرق آسيا بما يتجاوز الدفاع والدبلوماسية.

سيكون مثل هذا الإجراء موضع ترحيب حقيقي، نظراً لأن استطلاعات الرأي في الآسيان ترى في الولايات المتحدة مشرفاً أفضل على النظام الدولي متعدد الأطراف والقائم على القواعد والذي تعتمد عليه الدول الأصغر، بما في ذلك دول جنوب شرق آسيا، لتحقيق الاستقرار والازدهار.

ومع التأثيرات الاقتصادية للعقوبات الناجمة عن الأزمة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، التي وصلت ارتداداتها السلبية لجميع أنحاء المنطقة، وضرر عمليات الإغلاق الصينية في مواجهة تفشي فيروس كورونا، يمكن أن يساعد التعاون الاقتصادي الأكبر مع الولايات المتحدة في تعويض أسوأ صدمة في سلسلة التوريد منذ جيل.

لقد مر عقد من الزمان منذ أن أبرمت الولايات المتحدة اتفاقية تجارية جديدة مع دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وما يقرب من عقدين منذ أن فعلت ذلك في جنوب شرق آسيا. وبعد أن كان الرئيس السابق باراك أوباما على وشك أن يغير قواعد اللعبة بتوقيع شراكة استراتيجية عبر المحيط الهادئ، انسحبت الولايات المتحدة منها في اليوم الثالث لتولي خليفته دونالد ترامب منصبه في الحكم، مما أبعد واشنطن عن الاندماج الإقليمي المستمر، لتأتي الصين وتلعب دوراً رائداً في وضع المعايير من خلال العمل كمهندس لاتفاقية «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة» بين دول الآسيان العشر والدول الست الأعضاء في اتفاقية التجارة الحرة، وهم الصين، واليابان، والهند، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا.

وفي الآونة الأخيرة، تقدمت الصين أيضاً بطلب للانضمام إلى «الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ» (CPTPP)، النسخة المطورة لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ TPP، والاتفاقية التجارية الأكثر طموحاً وفاعلية في تاريخ المنطقة.

وبحسب الممثل التجاري الأمريكي السابق ويندي كاتلر، فإنه إذا سارت مفاوضات انضمام الصين بسلاسة، فستغير معها قواعد اللعبة، ومن المحتمل أن تتفوق على جميع المبادرات الإقليمية الأخرى وتصبح أهم مفاوضات تجارية في المنطقة، مع تأثير ضئيل للولايات المتحدة، إن وُجد، بوصفها دولة غير عضو.

تدرك إدارة بايدن أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تحقق النجاح في منطقة المحيطين الهندي والهادئ إلا إذا تمكنت من الوصول إلى مستويات غير مسبوقة من التنسيق والمساهمة مع الشركاء هناك؛ وذلك من أجل رسم استراتيجية إيجابية تحدد رؤية مشتركة لمنطقة حرة ومنفتحة ومتصلة ومزدهرة وآمنة ومرنة. ومن خلال هذه الاستراتيجية، ستعمل الولايات المتحدة مع أي مساهم راغب في توسيع القدرة الجماعية للمنطقة وسائر المناطق الكامنة.

يجب على بايدن وفريقه الإثبات بشكل واضح وملموس أنهم لا يزالون يركزون على آسيا حتى في خضم الأزمة الأوكرانية. ومن المتوقع أن تساعد قمة الآسيان المقبلة في تعزيز هذه التصورات. لكن الزخم القوي والواضح في تنفيذ استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ سيعزز ذلك أكثر.

يهدف الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والذي يتم تطويره مع حلفاء وشركاء أمريكا، إلى تعميق العلاقات الاقتصادية في المنطقة، وتنسيق الأهداف لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، كتطوير مناهج جديدة للتجارة تلبي معايير العمل العالية والبيئية، والقيام باستثمارات مشتركة في الطاقة النظيفة، وإزالة الكربون، والسعي نحو الاستدامة البيئية، إضافة إلى النهوض بسلاسل التوريد المرنة والآمنة والمتنوعة، وتعزيز الثقة في الاقتصاد الرقمي وتدفق البيانات عبر الحدود.

سيسمح الاجتماع الأخير بين الرئيس بايدن وزعماء الآسيان للولايات المتحدة باغتنام هذه اللحظة، لمصلحة أمريكا أولاً والمنطقة الأوسع؛ لذلك فإن التشدق بالكلام عن التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه المنطقة، من دون وجود خطوات ملموسة سيضمن بكل تأكيد استمرار التكامل الاقتصادي المتنامي للآسيان مع الصين.

سيراقب قادة جنوب شرق آسيا عن كثب ليروا ما إذا كان بايدن سيستمر في التخلي عن تطوير التكامل الاقتصادي الإقليمي لمصلحة الصين، أو إذا كان الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ سيمهد الطريق للولايات المتحدة للاستثمار والتجارة أكثر، مما يوفر منافسة اقتصادية قابلة للتطبيق.

* مستشار استراتيجي في شركة «ماكلارتي أسوشيت»، والرئيس السابق لغرفة التجارة الأمريكية في سنغافورة (آسيا تايمز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"