التغيير في لبنان.. حلم مُعلق

00:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

قال اللبنانيون كلمتهم، وأثبتوا للجاثمين على صدورهم أنهم ليس مرغوباً فيهم من الجميع، وأن قطاعاً من الشعب يحلم بلبنان العابر للطائفية، والرافض للوصاية الخارجية، والمتمرد على زعماء صناعة الأزمات الحماة للفاسدين والمجرمين. 

 قطاع من اللبنانيين قال نعم للتغيير، ونعم للخلاص من لبنان الصراعات والأزمات والخيبات والانهيارات، والمحبط لكباره، والمدمر لشبابه، والمجوّع لأطفاله. أناس قد يكون عددهم قليلاً، ولكن أملهم كبير بأن يكون لبنان المستقبل مختلفاً. صوّتوا في الانتخابات البرلمانية للتغيير، واختاروا مغادرة الأمس بأزماته وانهياراته وخيباته، والذهاب للغد بخطى واثقة بأن خيارهم فيه إنقاذ الدولة وحماية الشعب، ووضع نهاية لزمن الانهيارات الاقتصادية المتوالية، والانفجارات الاجتماعية التي أفرزها انفجار وتفجير بيروت والغلاء وفقدان أدنى مستلزمات المعيشة، من مواد غذائية وأدوية ومحروقات وخلافه، والانفجارات السياسية التي صنعها زعماء الطوائف لإلهاء الناس عن فسادهم السياسي والاقتصادي، وعجزهم الإداري، وتواطئهم القضائي. 

 صوّتوا للتغيير، إنما النتيجة لم تكن على مستوى الحلم، غيّرت جزئياً، ولكنه ليس التغيير الكافي لامتلاك القرار، والانقلاب على الطائفية البغيضة، وتقديم كل من ارتكبوا الجرائم في حق الوطن للمحاكمة. ففي 17 تشرين رفعوا شعار «كلّن يعني كلّن»، وجاءت النتيجة ضد البعض القليل من «كلن» وتركت الكثير منهم، كأن قدر لبنان أن يظل حلمه معلقاً لبعض الوقت، وكأن على اللبنانيين أن يبذلوا المزيد من الجهد لتحقيق شعارهم وتطهير الدولة منهم «كلّن». 

 نعم حدث تغيير، وبعض الرموز التي تحكمت وساهمت في تقييد الدولة وشل المجتمع، أو تلك التي لعبت دوراً في إشعال الفتنة، لن يكون لهم مكان على خريطة التشريع واتخاذ القرار، ومن هؤلاء من تخلّى طواعية وأراد تهميش طائفته، وكانت النتيجة تخلّي الطائفة عنه وتهميشه، ومنهم من لفظته طائفته وأهله وصوّتوا ضده، وبعضهم من الوارثين للسلطة والقرار.

 أن يتخلى بعض اللبنانيين عن بعض ورثة الإقطاع السياسي، فهو إنجاز ولعله خطوة على طريق التغيير الكبير، تتبعه خطوات على طريق التخلي عن كل تجار الطائفية وصناع الفتن. 

 قليل من اللبنانيين صوّت للتغيير، وكثير صوّت لبقاء الحال على ما هو عليه، عملاً بنظرية «من أعرفه أفضل ممن لا أعرفه»، وكانت النتيجة دخول 14 عضواً تغييرياً لا ينتمون لأي كتلة وكل رصيدهم هو مشاركتهم الفاعلة في انتفاضة تشرين الموؤودة ويحلمون بلبنان العابر للطائفية، و10 نواب مستقلين ولكنهم أصحاب تجارب سابقة، ولمعظمهم ميول سياسية. 

 مجلس النواب اللبناني في صورته النمطية، كان دائماً منقسماً بين كتلتين (8 و14 آذار)، وكان اتخاذ القرارات التشريعية يتم بالتوافق بين رؤساء الأحزاب والكتل، أما اليوم فاختلف الوضع، ودخل وافد جديد قد يكون ضعيف التأثير ولكنه يحمل فوق أكتافه أحلام اللبنانيين ومطالب ثواره. 

 الكتلة التغييرية ستكون في وضع لا تحسد عليه، فأمل الثوار واللبنانيين فيها كبير، وسوف تسعى مختلف الكتل لاستقطابها أملاً في أن ترجح بها كفتها داخل البرلمان، ولو فعلت واستجابت ستكون خائنة للثوار، وإذا لم تفعل فقد تصبح عبئاً على القرار والتشريع بعد أن ازداد تفتت البرلمان وانقسامه، وأصبح يفتقد للقوى الوازنة التي تستطيع فرض إرادتها. 

 عاش اللبنانيون مراحل من الفراغ سواء الرئاسي أو الحكومي، وعانوا التعطيل والعجز التشريعي في مواجهة جبل من الأزمات والمشاكل التي تمس حياة الناس اليومية ومستقبل الدولة، ورغم ذلك، فإن البرلمان الجديد سيعاني مزيداً من العجز في تحقيق الأغلبية المبتغاة لأي قرار، وسينجم عن ذلك المزيد من التعطيل والفراغ في الاستحقاقات المختلفة، وأولها استحقاق تشكيل الحكومة، وحال النجاح في تشكيلها ستكون الثقة ببيان الحكومة هي الفخ، خصوصاً أن أحد بنودها الذي شهد جدلاً كثيراً من دون قرار كان سلاح ميليشيات «حزب الله». 

لبنان ينتظره فراغ رئاسي من نهاية أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وقد يسبقه فراغ حكومي، كما ينتظره صراع تحت القبة إذا لم يحدث حوار تحرص خلاله مختلف الأطراف على مصلحة الدولة بعيداً عن اللاعبين الخارجيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"