مشاريع «مدن الـ 15 دقيقة»

22:40 مساء
قراءة 3 دقائق
3

ميريام لوك نكروس*

أحدثت جائحة «كوفيد 19» تغييرات كثيرة في أنماط الحياة المألوفة وسط قدر كبير من الإرباك الذي طال سبل العيش وآليات العمل، وتجارب اللعب خارج المنزل، كما عهدناها قبل الجائحة. وبدأت الشركات تدريجياً بتبني نماذج عمل مختلطة تتميز بالمرونة لتلبية الطلب المتنامي لدى الموظفين على الوجود في موقع محوري يجمع بين العمل والحياة الاجتماعية والتسوق، لتحقيق التوازن الأمثل على مستوى الحياة المهنية.

واستجابة لهذه الديناميكية الجديدة، يواصل المستثمرون وأصحاب العقارات في أسواق المملكة المتحدة، البحث عن مواقع رئيسية تتسم بمعايير إضافية تتيح سهولة الوصول إلى وسائل النقل وشبكات المواصلات الرئيسية، إضافة إلى توفّر وسائل الراحة ومرافق الخدمات الشاملة، والقرب من المؤسسات التعليمية وغيرها من أساسيات الحياة اليومية. وتهدف استراتيجية الاستثمار هذه، إلى تحقيق العائدات من ارتفاع قيمة الأصول وفرص تأجير العقار على المدى البعيد.

ويؤكد تقرير «لندن 2022» الصادر عن شركة الاستشارات العقارية، «نايت فرانك»، أهمية هذه الاستراتيجية من خلال تسليط الضوء على مفهوم «الضواحي الواقعة على بعد 15 دقيقة»، وهو مفهوم آخذ في الانتشار بوتيرة كبيرة ويحث على إعادة تشكيل رؤيتنا لكيفية تخطيط المدن لتحويلها إلى نماذج مرنة قادرة على الازدهار في حقبة ما بعد الجائحة. ويركز هذا المفهوم أيضاً على أهمية بناء كيانات عمرانية تتوافر فيها جميع المرافق المجتمعية، لا سيما أماكن العمل والسكن والترفيه والتسوق التي تتصل بعضها ببعض، بكفاءة، عبر مسارات للمشاة بحيث لا يستغرق الوصول إلى الوجهة المستهدفة أكثر من 15 دقيقة، سيراً على الأقدام.

ويسهم أسلوب العيش الجديد هذا في تحديد المتطلبات المتغيرة للمشتري والمستأجر وشاغل العقار، كما يثير أهمية بناء كيانات عمرانية تحقق المرونة وتجعل المجتمعات قادرة على الصمود في وجه الاضطرابات الاقتصادية، إضافة إلى توفير القيمة الاجتماعية للقاطنين.

وتلقى مواضيع الاستثمار العقاري صدى واسعاً في منطقة الشرق الأوسط، بحسب ما كشفه تقرير الثروات في نسخته الأخيرة، الصادرة عن شركة «نايت فرانك»، حيث شمل التقرير استطلاعاً لآراء أصحاب الثروات العالية والثروات الفائقة في جميع أنحاء المنطقة. وأشار التقرير إلى أن المستثمرين الذين يركزون على سوق العقارات في المملكة المتحدة يبحثون بشكل خاص، عن عقارات تتوفر فيها مرافق الخدمات وسبل الراحة والمرافق الترفيهية والمساحات الخضراء، واتصال فعال بوسائل النقل العام.

ولا شك في أن منطقة الشرق الأوسط كانت السباقة إلى تنفيذ هذا المفهوم، لا سيما من خلال تصميم مدينة «دبي الحديثة» الذي يعكس التصور المستقبلي لمفهوم التخطيط الرئيسي للمدن. ومن الأمثلة الموضوعية على هذا التصور، المخطط الحضري لتحويل الموقع الضخم لمعرض إكسبو 2020، على مدى السنوات القليلة القادمة، إلى مدينة ذكية ومستدامة للمستقبل يكون محورها العنصر البشري في إطار نموذج قائم على فكرة الأحياء المحيطة التي تقع على بعد 15 دقيقة.

وأسهمت هذه التحولات الحضرية في ترسيخ ذهنية مشتركة تجاه المستقبل لدى المستثمرين العقاريين في منطقة الشرق الأوسط، ما أدى إلى بلورة الملامح المبتكرة التي يتمتع بها مبنى Battersea Power Station الذي لاقى صدى قوياً لدى المشترين من المنطقة.

وقد شهدت سوق العقارات الرئيسية في وسط مدينة لندن مع بداية الشهر الخامس من عام 2022 ارتفاعاً في الطلب على العقارات، ويُعزى ذلك بشكل رئيسي إلى عودة المستثمرين الدوليين إلى المدينة، وارتفاع قيمة الإيجارات والعائدات. كما أدت عوامل أخرى مثل ندرة الأراضي والافتقار إلى المساكن، وارتفاع تكاليف التطوير العمراني، إلى تعزيز حجم الطلب على العقارات.

ومع بدء رفع القيود المفروضة على السفر جراء جائحة كوفيد 19، باشر المشترون من الشرق الأوسط عودتهم إلى المملكة المتحدة، حيث بدأوا بالتوافد إلى سوق العقارات المحلي بحثاً عن مشاريع عمرانية جديدة، ومن المتوقع أن تستقطب المشاريع التي يستوفي تصميمها المعايير التي تتماشى مع مفهوم «الأحياء التي تقع على بعد 15 دقيقة»، أكبر عدد من المستثمرين.

*رئيسة العقارات السكنية، «باترسي باور ستايشن»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"