الأمن.. وتكنولوجيا أشباه الموصلات

22:43 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي *

تنمو الأعمال المتعلقة بالثورة الصناعية الرابعة بسرعة، وتتوق الحكومات في جميع أنحاء العالم للبقاء في مقدمة سوق أشباه الموصلات المستخدمة في أعمال الثورة الصناعية الرابعة، حيث تستخدم أشباه الموصلات في مختلف المجالات المتعلقة بتلك الثورة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والروبوتات والطائرات بدون طيار. وتتعرض سوق أشباه الموصلات العالمية لتغيرات بوتيرة سريعة، مما يفرض حاجة تلك الحكومات إلى اتخاذ التدابير الاستباقية اللازمة لمواجهتها. وبعد تعرض الشبكة العالمية لتوريد أشباه الموصلات - للاهتزاز منذ اندلاع فيروس كورونا، مع تسارع وتيرة التحول الرقمي، ظهرت أشباه الموصلات كمسألة أمنية عالمية، وازداد الأمر سوءاً مع تفاقم التوترات الجيوسياسية الأمريكية مع روسيا والصين وزادت الأزمة الأوكرانية الأمور سوءاً، مما تسبب في معاناة الصناعات المختلفة من نقص حاد في أشباه الموصلات.

ولذا بدأت معركة حقيقية للسيطرة على السوق العالمية لأشباه الموصلات. فبينما تنخرط الشركة التايوانية «تي إس إم سي» وهي أكبر مصنع في العالم. و«إنتل» في «حرب بدون أسلحة» على الهيمنة على سوق أشباه الموصلات، حيث تخطط «تي إس إم سي» لاستثمار مبلغ ضخم يصل إلى 100 مليار دولار في أعمال التصنيع الخاصة بها على مدى السنوات الثلاث القادمة، تعتزم شركة إنتل، إحدى أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، تدشين مصنعين جديدين، في وقت لاحق من هذا العام، لإنتاج أشباه الموصلات على قطعة أرض مساحتها 1000 فدان في نيو ألباني بولاية أوهايو. ويستطيع مصنع ألباني الجديد هذا، على وجه الخصوص، المساعدة على تلبية الطلب الأمريكي على أشباه الموصلات. وقد جذبت خطة إنتل اهتماماً عالمياً، لأنها ستتجاوز المنافسة الصحية بين الشركات وستشعل بدلاً من ذلك التنافس بين الدول التي تعتبر رقائق الكمبيوتر أصولاً للأمن القومي. ويفسر المسؤولون التنفيذيون في الصناعة تحرك إنتل على أنه يعكس نية واشنطن للدخول في حرب أشباه الموصلات العالمية من خلال وضع أكبر شركة لها في المقدمة وتقليل اعتماد الولايات المتحدة على آسيا.

وفي مارس (2021)، ذكرت «وكالة مشروعات بحوث الدفاع المتطورة» DARPA، الذراع البحثية لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، أنها تعمل مع عملاق وادي السيليكون شركة «إنتل» العالمية الأمريكية التكنولوجية على زيادة إنتاجها المحلي داخل الولايات المتحدة من الرقائق الإلكترونية المؤمنة والسرية المخصصة للاستخدام في الأغراض والنظم الدفاعية. والعمل على مواجهة المخاوف وعلاج أسباب القلق بشأن التداعيات طويلة الأجل التي قد تؤدي إلى نقص إنتاج الشرائح الإلكترونية محلياً داخل الولايات المتحدة. التي تعتمد بشكل كبير على الشرائح الإلكترونية المصنعة في تايوان، وهو الأمر الذي أثار مخاوف بأن تقوم الصين بالعبث في الشرائح الإلكترونية المخصصة للأسلحة وغيرها من المنصات الدفاعية المحورية.

وفي منتصف ديسمبر الماضي أعلنت شركة «إنتل» أنها سوف تستثمر ما يصل إلى 7.1 مليار دولار على منشآت تعبئة الرقائق الجديدة في ماليزيا، وهي خطوة كبيرة تستهدف من خلالها تعزيز بصمتها العالمية، ومعالجة النقص العالمي في أشباه الموصلات المتوقع استمراره حتى عام 2023. وتمثل ماليزيا وحدها 13% من عمليات اختبار وتعبئة الرقائق في العالم.

كما كشفت شركة «إنتل» في 15 مارس الماضي، عن خطط بناء مصنع عملاق بقيمة تبلغ 17 مليار يورو ( 18.7 مليار دولار ) في مدينة ماغديبورغ الألمانية.

في الوقت الذي تخطط فيه الصين من جهتها لأن تصبح مركزاً عالمياً لصناعة الرقاقات، حيث طلبت «المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات»، أو «إس إم آي سي SMIC»، وهي شركة تصنيع أشباه الموصلات الرائدة في الصين، معدات من شركة «إيه إس إم إل ASML» في هولندا لترقية تقنياتها، لكنها لم تتمكن من استلامها بسبب العقوبات الأمريكية. واعترفت الصين بأن عدم قدرتها على تصنيع الرقائق الأكثر تقدماً كان كعب أخيل استراتيجياً. ومع ذلك، ستواصل الصين تطوير تكنولوجيا أشباه الموصلات ومحاولة دخول السوق عبر استراتيجيات متنوعة مثل خطة الدائرة المتكاملة الوطنية، وهي خارطة طريق لبناء صناعة أشباه الموصلات المحلية وتسريع تصنيع الرقائق. والهدف هو تلبية الطلب المحلي على الرقائق بحلول عام 2030. حيث تنفق الصين أكثر من مائة مليار دولار لتصبح رائدة على مستوى العالم في تطوير صناعة أشباه الموصلات. جمع صندوق الصين للاستثمار في صناعة الدوائر المتكاملة، أو «الصندوق الكبير» 51 مليار دولار – 22 مليار دولار في عام 2014 و29 مليار دولار أخرى في عام 2019. استخدمت الصين رأس المال هذا لبدء أكثر من 70 مشروعاً في صناعة أشباه الموصلات (مثل بناء المشغلات، والحصول على الشركات الأجنبية، والبدء في مشاريع مشتركة ) وقد تحولت من صنع صفر إلى 16% من الرقائق العالمية، على الرغم من أن جودتها منخفضة اليوم. وفي المستقبل، تخطط الصين لبدء الاستثمار في برامج تصميم الرقائق، والمواد المتقدمة، ومعدات تصنيع أشباه الموصلات. حيث يعتقد قادة الصين أن هذا هو قرنهم ويرون الإجراءات الأمريكية على أنها مصممة لإبعاد الصين عن مكانها الصحيح في العالم. مما أدى إلى تحول أشباه الموصلات إلى سلاح رئيسي في الحرب الباردة التكنولوجية.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"