عادي

المبدئ المعيد جلَّ جلاله

23:02 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

المبدئ المعيد هما اسمان لله لا ينفصل أحدهما عن الآخر، ولا يمكن فهم أحدهما دون الآخر، فالمبدئ هو الموجد والمظهر من عدم على غير مثال سابق بتقدير وتدبير وإبداع. وعلى هذا، فالمبدئ هو الموجد، والإيجاد إذا لم يكن مسبوقاً بمثله سُمي إبداء، وإذا كان مسبوقاً بمثله سُمي إعادة، والله تعالى بدأ خلق الناس بلا مثال سابق ثم هو الذي يعيدهم، أي يحشرهم، والأشياء كلها، جميع المخلوقات والموجودات في السماء والأرض والبحار، بدأت منه وإليه تعود.

ولم يرد الاسمان الجليلان في القرآن، ولا في السنة الصحيحة إلا بصيغة الفعل، كما في قوله، تعالى:«إنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ»، [البروج: 13]، وقوله تعالى:«وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ»، [يونس: 4]، ووردا في السنة، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «قال الله: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك؛ فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني»، (البخاري).

الله هو المبدئ لخلقه من العدم، ووحده الله القادر على ذلك، وهذا الأمر لم يستنكره الكفار، وإنما استنكروا قدرة الله على إعادتهم بعد الفناء، قال تعالى حكاية عمّن سأل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن قدرة الله على إعادته بعد الفناء «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ»، [يس: 78-79]. والخلق والإعادة كلاهما هين على الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وقد يستشكل البعض ذلك ويدعون بأن الإعادة أهون على الله من بدء الخلق متناسين أنه، جلَّ شأنه، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأن أمره بين الكاف والنون إن أراد شيئاً كان على ما أراده عليه، وهؤلاء إنما يستدلون على زعمهم بقوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ»، [الروم: 27]، وهذا الأمر رد عليه القرطبي فقال: «هذا مثلٌ ضربه الله، تعالى، لعباده، يقول: إعادة الشيء على الخلائق أهون من ابتدائه، فينبغي أن يكون البعث لمن قدر على البداية عندكم وفي ما بينكم أهون عليه من الإنشاء» ثم إن هذه الآية جاءت من باب مجاراة منكري البعث القائلين: «أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا»، [الإسراء: 49]، وإقناعهم وفقاً لما يعتقدون من كون الإعادة أهون من الإنشاء والابتداء؛ وذلك ليؤمنوا بالبعث، ومنه قول الله تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، [الأحقاف: 33]، ولكن في حقيقة الأمر كلاهما لا يعجزان الله تعالى القائل: «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ»، [يونس: 34].

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"