عادي

تجديد الخطاب الديني.. من يقوده؟

23:08 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

انطلقت دعوة «تجديد الخطاب الديني» في معظم المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وتفاعل معها مفكرون وكتّاب رأي وعلماء دين وإعلاميون. وأكد عدد من كبار العلماء أن الإسلام «عقيدة وشريعة لكل العصور» ولا ينقصنا إلا ترجمة تعاليمه الصحيحة، ومنهجه الوسطي في حياتنا. في الجانب الآخر، يتحفظ البعض على الأطروحات التي يرون أنها تستهدف تشوية أحكام الدين المستقرة باسم التجديد، فما هو المنهج الصحيح للتجديد الديني؟

1
د. بكر عوض

يؤكد د.بكر زكي عوض،أستاذ مقارنة الأديان والعميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أن الدعوات التي انطلقت لتجديد الخطاب الديني تجسد مطلباً دينياً لا يتوقف عنه علماء ومفكرو الإسلام في كل أرجاء عالمنا العربي والإسلامي، وأنه إذا كانت بعض الجماهير ملت من أحاديث الدعاة وخطباء المساجد المنعزلة عن العصر، والتي لم تعد تقدم جديداً من الفكر والثقافة والتوعية والتوجيه الديني الصحيح، فإن علماء الإسلام ومفكريه يحزنهم هذا الواقع، ويسعون دائماً إلى تغييره.

ويقول: الإسلام، كعقيدة وشريعة، صالح لكل زمان ومكان، وهو خاتم الأديان السماوية الذي أراده الله هداية للبشرية جمعاء وليس للمسلمين فقط.. ومن هنا لا ينبغي أن نغض الطرف عن محاولات بعض دعاة الجمود الفكري في حصره في مجموعة شعائر وعبادات وطقوس شكلية. الإسلام أوسع وأشمل من هذا بكثير، هو منهج حياة متكامل ويجب أن يُقدم بصورته الحقيقية، وليس من خلال رؤى ضيقة تجرده من جوهره وتبعد الناس عن هداياته.

ويضيف: أصبح تجديد الخطاب الديني مطلباً لعلماء ومفكري الإسلام بعد أن وصل بنا التطرف والجمود إلى ظهور أجيال من المتطرفين والتكفيريين يوقعون كل يوم العديد من الضحايا من الشباب غير القادر على المقاومة والصمود، نتيجة ضحالة ثقافته الإسلامية. ولذلك نحن مع اتخاذ وسائل فاعلة لتجديد الخطاب الديني، ولا ننكر بأن السائد في بعض مؤسسات الدعوة والتعليم والثقافة الدينية ما زال بعيداً عن روح العصر وتحدياته، وهو ما يفرض علينا كعلماء ومفكرين البحث عن كيفية تحقيق التطوير المستهدف .

دعوة متجددة

يشدد د.بكر زكي عوض أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني لا تزعج أحداً من علماء ومفكري الإسلام، لأنها تنطلق من طبيعة الدين وتجسد قدرته على التجدد والتطور واستيعاب كل مستجدات الحياة وتحدياتها، لكنه يؤكد أهمية عدم الربط بين دعوة التجديد، وتمدد الفكر المتطرف الذي أصبح يمثل خطراً بالغاً على واقع ومستقبل مجتمعاتنا.

ويضيف: كل علماء الإسلام يدركون أن التجديد سنة الحياة، والتغيير قانون الوجود، والبديل هو الجمود، ويعني أننا ننتمي إلى دين جامد، وهذا مستحيل، فالإسلام بطبيعته يستوعب كل جديد، ويتعامل مع سنن الحياة بواقعية، ولا يصادم الفطرة الإنسانية، ومن هنا فهو يشجع ويدعم ويقود التجديد المستمر لحركة الحياة والمجتمع، من أجل الوصول إلى الأفضل في جميع المجالات.

ويؤكد أن التجديد يكون في الخطاب الديني، وليس في جوهر الدين، موضحاً أن القليل من أحكام الدين لها صفة الثبوت، والكثير له صفه التغير والتجدد والتطور وفقاً لمصالح المسلمين في كل عصر.

من هنا يحذر من تطفل غير المتخصصين في أمور الدين على قضايا التجديد والاجتهاد، ويقول: يجب أن نحترم التخصص، وأمور الدين تؤخذ من علمائه فهم أهل الذكر. وإذا كان التجديد يتوقف على فهم الواقع للكشف عما فيه من سلبيات للانطلاق من ذلك الفهم إلى تصحيح الأوضاع، تمهيداً لإثراء الحياة بالمزيد من الإبداع الذي يضيف جديداً إلى حياة المسلمين المعاصرة، فإن من يتولى هذه الأمر المهم هم العلماء أصحاب الخبرة والباع الطويل في الاجتهاد واستنباط الأحكام في ما يستجد من أمور.

تيسير

1
د. حسن الصغير

د.حسن الصغير، أستاذ الشريعة الإسلامية والأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، يؤكد أن الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاق، وأن أمور العقيدة مستقرة وليس فيها مجال للتجديد والتطوير، فمجاله الحقيقي هو الفقه الإسلامي، ومهمة الفقه مواجهة متطلبات الحياة المتجددة. ويقول: ما دامت المسائل الفقهية غير قطعية فهي قابلة بحكم الشرع للتجديد والتغيير، وهذا التغيير الذي يطرأ على الأحكام الفقهية، التي هي محل اجتهاد، أمر طبيعي يتماشى مع تعاليم الإسلام التي تتسم بالتيسير ورفع الحرج. وفضلاً عن ذلك فإن هناك مسائل جديدة لم يعرفها علماء الفقه الإسلامي السابقون تتطلب اجتهاداً جديداً وبحثاً عميقاً لاستنباط الحكم الشرعي الذي ينطبق عليها، فإنزال الفقه على الواقع ضرورة لتطوير الحياة الإسلامية.

ويوجه رسالة واضحة لكل الخائفين من التجديد، ويرون فيه مساساً بالثوابت وخروجاً على حقائق الإسلام، قائلاً: نذكركم بأن الشريعة الإسلامية تحمل من المرونة والسعة ما يجعلها تعيش حالة تجديد مستمرة تتجاوب دائماً مع مصالح الناس في كل زمان ومكان، وستظل دائماً مصدراً لكل تجديد يعود على المسلمين بالخير، ومباركة لكل تقدم حضاري مادام هناك مجددون يفهمون الحديث النبوي في تجديد الدين على وجهه الصحيح.

أيضاً ينبه إلى أن الدعوة الإسلامية والتعليم الديني مجالان يحتاجان دائماً إلى تجديد وتطوير، وهذا يحدث بالفعل من جانب المؤسسات الدينية المعنية بالأمرين في العالم الإسلامي وفي مقدمتها الأزهر الشريف. ويقول: مناهج الأزهر التعليمية تطورت كثيراً خلال السنوات الماضية، وأصبحت تقدم ثقافة دينية تجمع بين التراث والمعاصرة. كذلك تطورت كثيراً وسائل وأدوات الدعوة الإسلامية، لتستطيع أن توصل الرسالة الدينية الوسطية لكل الناس.

مفتي مصر: سُنَّة كونية ولا قداسة للتراث

1
د. شوقي علام

يصف د. شوقي علام، مفتي مصر، التجديد، بإحدى سنن الكون، وضرورات العصر التي لا غنى عنها، وذلك مصداقاً لقول نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها».. ويقول: من هنا لا يوجد تحفظ ديني على التجديد، إلا من جانب هؤلاء الذين لا يدركون أن دين الله الخاتم يحمل عناصر ومقومات صلاحيته لكل العصور، ويحمل الخير للجميع، إذا ما وصل إليهم على صورته الحقيقية.

ويوضح د. علام أن التجديد في أمور الدين يتوقف على فهم الواقع والتعرف على سلبياته ومحاولة علاجها، ورد الناس إلى المنهج الصحيح، من خلال استخدام الحجة الدينية في الحكم على ما يستجد للمسلمين في حياتهم المعاصرة.

ويقول: التجديد لا يكون في ثوابت الدين وأصوله، ولا في أمور العقيدة لأنها مستقرة، إنما يكمن في تطوير لغة الخطاب الديني وآلياته، والمطالبة بأخذ كل ما هو جديد لمواكبة الواقع المعاصر، والتغيرات. وينتهي مفتي مصر إلى المطالبة برصد السلبيات وتجاوزات الخطاب الديني السائد الآن في عالمنا العربي والإسلامي. ويقول: نحن في حاجة ماسة إلى خطاب ديني بنائي وليس إنشائياً، خطاب يدفع حركة المجتمع عبر الفرز بين قيم التحلي وقيم التخلي، وإدراك سنن التغيير الحضاري، بحيث يعيد للإنسان دوره، وفاعليته، وحضوره في حركة المجتمع.. خطاب ينبع أولاً من طبيعة الإسلام الذي ينطوي على دعوة مستمرة إلى التجديد، وفي الوقت نفسه يستجيب للتطلعات المشروعة للشعوب العربية والإسلامية في الحرية والتقدم وتحقيق الشهود الحضاري.

ويرى أن تجديد الخطاب الديني يتطلب نزع القداسة عن التراث البشري الإسلامي خاصة ما يتعلق باجتهادات العلماء والفقهاء في كل العصور، لأنه لا قداسة لغير الكتاب والسنة الصحيحة، وأن علينا أن نستفيد من التراث الفكري والفقهي باعتباره عملاً تراكمياً محترماً.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"