استحقاقات لبنان الرئاسية

استحقاقات لبنان الرئاسية
00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.خليل حسين *

جرت انتخابات لبنان التشريعية بسلاسة نسبياً، قياساً إلى حجم التحديات السائدة، كما أفرزت نتائج مفاجئة نسبياً أيضاً، قياساً على الظروف والوقائع التي رافقتها، ما سيترك آثاراً وتحديات متصلة باستحقاقات أخرى، سترسم إطاراً خاصاً للواقع القائم.
  ففي المحصلة لم تظهر أغلبية واضحة العدد في المجلس الجديد، لاسيما أن الظاهر قد أوصل إلى البرلمان أكثريات متعددة، بينها التقليدي وأخرى تغييرية وأخرى جديدة، إلا أنها جميعها لن تكون قادرة على الحكم إلا بائتلافات معقدة، لن يكون سهلاً التوصل إليها.
   أولى الاستحقاقات هي انتخابات رئاسة المجلس الجديد كما نائباً للرئيس، وكذلك مكتب المجلس، وسط انقسام غير مسبوق في مثل هذه الاستحقاقات، حيث كانت انتخابات الرئيس شبه محسومة باستمرار، وليست ولايات متتالية سابقاً لشخصية حظيت بإجماع واضح، والمقصود نبيه بري، فيما اليوم ثمة خلاف حول تحديد شخصية الرئيس وبرنامجه، رغم أن الأمر قد بات شبه مؤكد أنه سينتخب لولاية سابعة كرئيس للمجلس، ولو بأحجام أصوات أقل قياساً على المرات السابقة.
  واذا كان استحقاق رئاسة المجلس قد تنجز دون عقبات تذكر، إلا أن استحقاق رئاسة الحكومة تبدو أشد تعقيداً، لاسيما أن الأطراف المعنيين بها تشتت لقواهم الشعبية وحتى العددية داخل المجلس الجديد، وقياساً على حالات جرت في المرات السابقة، فمن المرجح أن تجرى الاستشارات النيابية الملزمة، إلى أن التشكيل سيطول، وهناك احتمالات كارثية إذا ظلت الحكومة القائمة بحكم صفة تصريف الأعمال. وعلى الرغم من أنها ليست سابقة في الحياة السياسية اللبنانية لجهة تقاطع الوقت مع استحقاق رئاسي، فقد ظلت الحكومة في تصريف أعمال إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
   أما الاستحقاق الثالث الذي لا يقل تعقيداً عن الحالتين السابقتين، فهو استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية في الواحد والثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول القادم، حين انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ذلك وسط ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية كارثية. 
  في المبدأ، ليس ثمة على ما يبدو، أن هناك ظروفاً للإجماع الداخلي على شخص معين، وفي الأساس لم يكن موجوداً في أي انتخابات سابقة إلا في حالة اللواء فؤاد شهاب في عام 1958، أما اليوم فليست هناك أكثريات يمكن أن تصل إلى حدود الثلثين لتأمين النصاب المطلوب في جلسة الانتخاب الأولى، وبالتالي ثمة صعوبات حقيقية ستظهر بداية، لتحديد تاريخ جلسة الانتخاب قبل انعقادها، وهو ما حدث مثلاً خلال التحضير للانتخابات التي فاز فيها الرئيس الحالي ميشال عون.
  لقد باتت الفراغات الدستورية الرئاسية أمراً مألوفاً في الحياة السياسية اللبنانية، إن كان في سدة رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية، وربما في رئاسة مجلس النواب هذه المرة ، إذا لم تتضافر الجهود لتدارك هذه المخاطر سريعاً، لاسيما أن لبنان اليوم بحاجة إلى جهود استثنائية لتجاوز ما يحيط به من مخاطر.
إن الاستحقاقات الدستورية الداهمة هي قضية ضرورية الإنجاز باعتبارها خطوة أساسية لإعادة تكوين السلطة وما يجب أن يستتبع من مشاريع إصلاحية داخلية مرتبطة بأطر دولية، وبالتالي فإن الواقع اللبناني بات أكثر ارتباطاً بظروف خارجية وازنة في عمليات صناعة السياسات العامة للدول، وبخاصة لبنان الذي بات تحت مجهر دولي، يراقب بشكل لصيق ودقيق.

* رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"