الغذاء ليس آخر الأزمات

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

وكأن قدر الإنسان أن يظل لعبة في أيدي صناع الأزمات حول العالم، يصنعون له أزمة وينشرونها عالمياً ليعاني منها الجميع دون تمييز، وقبل أن يفيق منها تكون الأزمة التالية جاهزة، حتى يظل الخوف يحاصره والقلق يرافقه، وبدلاً من أن يتطلع إلى المستقبل بأمل يتمنى أن يتوقف الزمن خوفاً من المجهول القادم، والذي يمكن أن يقضي على ما تبقى لديه من إحساس بالأمان. 
  أزمة تلو أزمة، نتيجة تصارع أصحاب القرار والمتحكمين، على صدارة القوة، ومن فيهم الأكثر قدرة على ضرب خصومه بالقاضية، ومن الأسرع في نشر الأمراض والفيروسات والأوبئة، ومن الأبرع في الاعتداء على الطبيعة وتلويث الأرض وتلوين الهواء بألوان المرض والموت، ومن الأقدر على حصد أرواح الأبرياء وهدم المدن وتشريد الناس وقتل الأحلام وتحويل الكوكب إلى جحيم، بعد أن جعله الله للإنسان مستقراً ومتاعاً إلى حين، ومن الأقدر على تقريب موعد قيام الساعة. 
   خلال عامين فقط، انتقلنا من أزمة إلى أخرى، ومن خوف إلى رعب. عندما هلّ علينا فيروس كورونا تخيلنا في البداية أنه سينتشر في المحيط الذي ظهر به في الصين ويغادر، ولكنه سرعان ما انتشر عالمياً، وألزم الجميع البيوت، وعطّل الإنتاج وحصد الملايين وانعكس أزمات وأزمات على الاقتصاد العالمي.
 وقبل أن يتعافى العالم منه تجدد الصراع الموروث بين الشرق والغرب لتندلع الحرب الأوكرانية التي شغلت الناس والإعلام عن كورونا لتهمشه وتزيحه عن الصدارة، وجاءت توابع الحرب، من عقوبات على روسيا وحصار اقتصادي ورياضي وفني وأخيراً دبلوماسي، ومن قرارات دعم سياسي واقتصادي وعسكري لأوكرانيا، ومن تصريحات غربية تزيد النار اشتعالاً، ومن إفشال لمحاولات التفاوض، ومن حرص على استمرار المعارك عبّر عنها غياب مبادرات الحل وخصوصاً من قبل الأطراف الأقوى عالمياً والأقدر على طمأنة روسيا على أمنها القومي ووقف إمدادات السلاح لأوكرانيا وتحييدها عن الصراع القديم المتجدد بين الشرق والغرب ووضع حد لهذه المأساة. 
  نعم، الحرب تدور على أرض أوكرانيا، وروسيا تسعى لاستعادة قوتها المفقودة وإمبراطوريتها المفككة، وأمريكا والدول الأوروبية يريدون إنهاك روسيا واستنزافها اقتصادياً وعسكرياً وتأديبها سياسياً، لكن هذه الحرب تلقي بظلالها على كل بقعة في الكوكب، ومن رحمها ورحم أزمة كورونا تطل اليوم أزمة غذاء تضرب الشرق والغرب، وتؤثر في معظم دول العالم، وهي الأزمة التي تهدد الأمن الغذائي، وتجعل الحصول على لقمة العيش معاناة للكثيرين، وتنذر بمجاعة عالمية، وإذا لم يتم اتخاذ الإجراءات لحلها فستكون لها الكثير من التوابع والتي بدأت بالفعل مع الارتفاع الجنوني للأسعار في دول مختلفة، وهو ما ستتبعه اضطرابات اجتماعية وقلاقل سياسية وأزمات لا أول لها ولا آخر، فليس بعد العجز عن تأمين رغيف الخبز شيء، وهو أبسط احتياجات الإنسان الضرورية، وليس بعد العجز عن توفيره سوى الموت مصيراً، وعندما سيجد الناس الموت جوعاً يلاحقها سيكون الغضب الذي ليس مثله غضب، الغضب المتوحش الذي يمكن أن يلتهم أي شيء ويتجاوز القواعد وينتهك القيم ويدوس على القيم. 
  أمام هذه الأزمة، بدأت المؤسسات الدولية تعقد اجتماعات ليس بحثاً عن حلول إنما لتبادل الاتهامات وتقاذف المسؤولية عنها بين الأطراف الحاكمة والمتحكمة في العالم، والدليل اجتماع مجلس الأمن الذي لم يخرج أعضاؤه بقرارات بقدر ما كان التركيز على تحميل روسيا وحدها المسؤولية وكأنهم ليسوا شركاء معها في مسؤولية ما وصل العالم إليه، من خلق للصراعات واعتداء على الطبيعة وما تبعها من تغيرات مناخية ألقت بظلالها على الزراعة وغيرها، ومن وباء كورونا ومن تسابق على التسلح بكل ما لا يبقي ولا يذر. 
  شبح الجوع يهددنا، وشبح العطش سيلحق به، وسيجد العالم نفسه غارقاً في أزمة مياه، وبعد كورونا يأتينا جدري القرود، والصراع على أوكرانيا قد يمتد ويتحول إلى صراع أكبر وفي الأفق تلوح حرب صينية أمريكية على تايوان وأشياء أخرى، كل ذلك وكهنة السياسة العالمية لا يرتدعون ولا يبالون.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"