مساحة للسرد

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

خمسة عشر عاماً بين «واحة الغروب» للروائي المصري بهاء طاهر، التي فازت بالجائزة العالمية للرواية في 2008، وبين «خبز على طاولة الخال ميلاد» للروائي الليبي الشاب محمد النعاس الذي فاز بالجائزة ذاتها في دورة هذا العام 2022.
في الرواية الأولى لبهاء طاهر، ينسج المؤلف حكايات تبدأ في الماضي منذ نهايات القرن التاسع عشر، ثم يعود بنا إلى الحاضر وهذه الأحداث، كما وصفت، تعكس مزجاً إبداعياً بين الموضوعي والتاريخي والواقعي، ويعبر المؤلف من خلال ذلك كله عن هموم الوطن، كما يقدم تجربة العلاقة بين الشرق والغرب على المستويين الإنساني والحضاري بما فيها من صراع وتوافق.
في حين تدور رواية محمد النعاس وسط مجتمع القرية المنغلق، وتقع أحداثها في ليبيا، حيث يبحث بطلها ميلاد الأسطى عن تعريف الرجولة المثالي، بحسب فهم مجتمعه، لكنه يفشل في أن يكون ذلك الرجل، وها هو يكون نفسه، فيعيش أيامه داخل البيت مع زوجته، ويضطلع بأدوار منزلية فرضها المجتمع على المرأة، فيعاند هذا الفهم، فيما تعمل الزوجة على إعالة البيت، وهكذا يقلبان الأدوار المحسومة، في رواية وصفت هي الأخرى بأنها مبدعة، وقد تفوق مؤلفها الشاب على نفسه في كتابتها.
وهكذا، تدور عجلة الزمن، ونجد أنفسنا في خضم نحو 15 عملاً روائياً مبهراً لكتّاب عرب، طرحوا مختلف الموضوعات، بين المصري يوسف زيدان «عزازيل»، والسعودي عبده خال «ترمي بشرر»، ثم المغربي محمد الأشعري «القوس والفراشة»، والسعودية رجاء عالم «طوق الحمام»، مروراً باللبناني ربيع جابر «دروز بغداد، والكويتي سعود السنعوسي «ساق البامبو»، ثم العراقي أحمد سعداوي «فرانكشتاين في بغداد» وصولاً إلى «الطلياني» للتونسي شكري المبخوت، ثم «مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة» للفلسطيني ربعي المدهون، و«موت صغير» للسعودي محمد حسن علون، و«حرب الكلب الثانية» للأردني إبراهيم نصرالله، و«بريد الليل» للبنانية هدى بركات، ثم «الديوان الإسبرطي» للجزائري عبدالوهاب عيساوي، والأردني جلال برجس وروايته «دفاتر الوراق».
وهكذا تستمر الرواية كحصان جامح في أرض عربية، حبلى بالمشاكل والمنغصات من المحيط إلى الخليج، لتطرح هواجس كتابها وأحلامهم. 
 لقد استطاعت الجائزة العالمية للرواية العربية، خلال هذه الفترة الزمنية، أن تفتح مساحات واسعة أمام القارئ العربي، فقد منحته فرصة أكبر في قراءة بيئات عربية مختلفة، كما فتحت بعض الروايات مساحة أخرى على هموم عربية متفاوتة في حجمها وفي نتائجها على الفرد.
من جانب آخر، فرضت الرواية كجنس أدبي ذاتها على القارئ العربي، الذي أصبح أمام خيارات شتى تشغل اهتمامه الثقافي والأدبي، كما نجحت الرواية في تحفيز جبهة النقد العربي، الذي صار مشغولاً بتقديم قراءات في تجارب شابة، سجلت خصوصيات كتابها وهواجسهم وأحلامهم.
هذا الصعود الملحوظ للرواية العربية، فتح نافذة على قراءتها، ومحاولة تفكيك مضامينها وبناها الفنية، في ضوء مستجدات الراهن العربي، وقد فرضت بعض الأعمال حضورها في ساحة المؤتمرات والحوارات الثقافية والفكرية كجنس أدبي معاصر، ظل خجولاً لفترة طويلة من الزمن، وها هو يشق طريقه بسرعة لينافس -على الأقل- جنسين أدبيين مألوفين كالقصة والشعر.
هذه الهالة الإعلامية التي رافقت الرواية العربية، تدين في جزء كبير منها ل«البوكر العربية» التي تعد المبدعين بمكافآت مجزية، كما تنشر أعمالهم بلغات أخرى خارج حدود الوطن العربي، وهو هاجس يليق بالمثقف العربي، ويعدّ ميزة لم يكن يحلم بها أي كاتب عربي من قبل، حين كان المؤلف الشاب على وجه الخصوص بالكاد يستطيع إصدار كتاب واحد من أعماله.
طرحت «البوكر العربية» أسئلة مهمة حول الأثر الفني والجمالي الذي ستخلفه هذه الأعمال في وجدان المثقف العربي، كما أثارت جدلاً في أوساط المثقفين لجهة ما يمكن أن تقدمه الأعمال المرشحة لهذه الجائزة من إضافة نوعية في رصيد الرواية التي كانت قوية في ستينيات القرن الفائت في تجارب المخضرمين: نجيب محفوظ، عبد الرحمن منيف، حنا مينه، الطيب صالح، جبرا إبراهيم جبرا، وغسان كنفاني وغيرهم.
وإذا كانت الرواية العربية التي بدأت في سياق ما قدمته الأسماء السالفة والراسخة قوية وملهمة، كما قدمت فتوحات روائية لم يسبق للكتابة العربية أن اجترحتها في الأبعاد الملحمية والواقعية السحرية، فلا شك أن التجارب الجديدة في ظل دعم «البوكر العربية» تطمح لترسيخ تجربة أخرى تقدم ملمحاً جديداً، يهجس بالحرية، ويطمح إلى تغيير الواقع نحو الأجمل والأبهى والمأمول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وشاعر وصحفي أردني، عمل في الصحافة الأردنية / في القسم الثقافي بجريدة الدستور ، ويعمل اليوم محررا في جريدة الخليج الإماراتية / القسم الثقافي، صدرت له عدة كتب في الشعر بينها: "ظلال" ، وردة الهذيان / ، وكبرياء الصفة / ، كما صدر له كتاب في الإمارات بعنوان "محطات حوارية مع وجوه ثقافية إماراتية" .
له كتاب مترجم غير منشور/ قصائد عن الإنجليزية، نشرت بعض هذه القصائد في "ثقافة الدستور" وفي مواقع إلكترونية محكمة مثل موقع "جهة الشعر.
شارك في أماسي وملتقيات شعرية عربية كثيرة، وقد قدمت حول نتاجاته الأدبية الكثير من القراءات النقدية.
عضو رابطة الكتاب الأردنيين ، وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"