عادي
يستقي أحداثه من «هاملت» ويكثر فيه السحر والعنف

«ذا نورثمان».. تشويق دموي

23:37 مساء
قراءة 5 دقائق
1

مارلين سلوم
هذا الفيلم يسمونه «ملحمة» ربما لأن القصة تعود إلى زمن الفايكينج وتحديداً عام 895 ميلادية، ويمتد الفيلم إلى ساعتين و17 دقيقة، ويتضمن بل هو قائم على السحر والخرافات والقتل والثأر، مستوحى من رائعة ويليام شكسبير «هاملت». «ذا نورثمان» للمخرج روبرت إيجرز الذي يعرض في الصالات، ينبغي الالتزام بالسن المحددة لمشاهدته لما فيه من مشاهد بعضها غير لائق، إضافة إلى كثرة العنف والدماء والقتل منذ بداية الفيلم وحتى نهايته.

روبرت إيجرز مخرج أثبت نجاحه أكثر من مرة («الساحرة» و«المنارة» وغيرهما)، وفي «ذا نورثمان» يؤكد براعته في التدقيق في التفاصيل وقيادة عمل ضخم وتحقيق النجاح له، لاسيما أنه هو كاتب القصة أيضاً بالاشتراك مع سيجون. عادا بالتاريخ بعيداً (إلى القرن العاشر) لتأليف قصة ليست جديدة على السينما ولا على قصص الفايكنج، التي تتشابه من حيث العنف والقتل والاقتتال والشراسة والطبيعة وقسوة البشر.. أكثر من فيلم سينمائي اقترب من قصة «هاملت» من حيث وجود أمير وسيم يكون شاهداً على مقتل أبيه الملك، فيقرر الانتقام له خصوصاً أن الملك أوصاه ألا يهرب من القدر، الذي هو كقدر كل أسلافه القتل والثأر ثم يُقتل. اختار مؤلفا «ذا نورثمان» شمال الأطلسي في جزيرة فالهالا محطة أولى للأحداث، ثم «أيسلندا»؛ حتى اسم البطل اختاره إيجرز قريباً من اسم هاملت «أمليث» الذي نراه في البداية صبياً سعيداً بعودة أبيه الملك أودين أورفنديل (إيثان هوك) والحامل لأكثر من لقب: «الملك الغراب»، «غراب الحرب» و«حامل الخاتم» ثم يصل من بعده شقيقه الأمير فيولنير (كلايس بانغ) الملقب بالرجل القاسي ومعه ابنه الصغير ثورير.

انتصر الملك في حربه، لكنه أصيب ويخشى أن يموت في بيته لا في ساحة المعركة؛ حيث يتمنى أورفنديل «الموت بشرف» على يد عدوه كما مات الملوك السابقون، ويقول لابنه «سأموت على يد العدو وعليك الانتقام لي.. بدمنا نشكّل شجرة عائلتنا».

غياب القيم

منذ البداية يسخّر المؤلفان قصتهما لتسليط الضوء بقوة على بشاعة الثأر وتربية الأبناء الخاطئة وتغذية روح الحقد والانتقام والثأر فيهم منذ الطفولة، كذلك غياب القيم الأبوية النبيلة أمام الفكر الذكوري والانشغال بالبطولة البدنية والسعي طوال الوقت خلف الإجرام فإما أن تَقتل أو تُقتل. يهيئ الملك ابنه ليكون ملكاً من بعده فيأخذه إلى الساحر؛ حيث نرى وصلة من السحر والشعوذات وتشبّه الملك وابنه بالكلاب والذئاب الشرسة. عند عودتهما بعد انتهاء مراسم تنصيب أمليث ليكون الوريث الشرعي للعرش، ينصب فيولنير فخاً لأخيه الملك ليقتله وينصب نفسه ملكاً بينما يتمكن أمليث من الهروب بينما يعتقد الجميع بأنه قُتل.

نقفز بالسنوات لنرى أمليث (يؤديه بتميز ألكسندر سكارسجارد) شاباً في أرض الروس، تدرب جيداً فأصبح مقاتلاً شرساً وبنيانه الجسدي ضخم وصلب، يقتحم مع مجموعة من الروس بلدة فيلقون القبض على مجموعة من سكانها ثم يعلم أنهم سيأخذونهم كعبيد إلى الملك فيولنير الذي هرب مع زوجته وابنه إلى آيسلندا، يقرر أن يدمغ صدره بعلامة العبيد، يقص شعره ويتسلل إلى السفينة ليصبح واحداً من المقيدين على متنها بسلاسل.

القصة مشوقة، لكن كم الدماء والمجازر وقطع الرؤوس الذي نشاهده مبالغ فيه جداً، حتى وإن كان الهدف منه حمل المشاهدين على النفور والإحساس بالاشمئزاز من تصرفات الفايكينج الهمجية في ذلك الوقت، إلا أن تكرار هذه المشاهد مع طول الفيلم لأكثر من ساعتين يشعرك في مرحلة ما بالغثيان، علماً بأن المخرج كان بإمكانه تقليل جرعة العنف الوحشي مع الإبقاء على المعارك والخطط والمؤامرات، وكنا سنستمتع بالفيلم أكثر ونتحمله بسهولة، خصوصاً أن روبرت إيجرز تفوق في تقديم فيلم صعب وطويل جداً بلا أي لحظة برود أو ملل.

يردد أمليث كلمات الثأر والانتقام والقتل مرات ومرات، ليذكر نفسه بالهدف الوحيد الذي يعيش من أجل تحقيقه، وفي باله أيضاً أنه قادم لإنقاذ أمه من عمه فيولنير، لكنه يكتشف أنها أصبحت زوجته واحتفظت بلقبها الملكة جودرين. نيكول كيدمان تلعب هذا الدور على الرغم من صغر مساحته فإنه يتطور إلى حد ما مع تطور الأحداث في الجزء الثاني من الفيلم، لكنه في كل الأحوال لا يعتبر إضافة أو بصمة في مشوار النجمة نيكول كيدمان؛ ويتركنا المخرج في حيرة من أمرنا هل جودرين هي أم أمليث فعلاً أم مجرد مربيته بعدما كشفت لأمليث حين جاء لينتقم أنها كانت جارية لدى أبيه، طالبة منه أن يقتل عمه لتتزوجه فتبقى الملكة أياً كان الملك؟

مرور خاطف لويليم دافو بدور هيمير المجنون أو المنفعل، لكنه كعادته يؤديه بامتياز، كذلك إيثان هوك يفتتح الفيلم بشخصية الملك أورفنديل ويكون مؤثراً ويظل عالقاً في ذاكرتك طوال الفيلم على الرغم من رحيله المبكر.

مؤثرات

يعتمد الفيلم كثيراً على المؤثرات البصرية، مثل مشهد شجرة عائلة أمليث التي تمتد جذورها من قلب أبيه الملك وتصعد لنرى في كل غصن منها ملكاً أو فرداً من العائلة مقتول، وأحلامه خلال النوم واليقظة التي يرى فيها ما سيحدث أو يرى أشخاصاً ويدرك جوهرهم وما يخبئونه. علاقة أمليث العاطفية بالجارية أولجا (أنيا تايلور جوي) بعد آخر أراد من خلاله صناع الفيلم القول إن الموروث الفكري هذا مستمر وممتد عبر الأجيال، سواء كان الأبناء ثمرة علاقة غير متوازنة بين الملك وزوجته التي كانت جاريته أم ثمرة حب مثل التوأم الذي أنجبته أولجا من أمليث. أنيا بملامحها وحدة نظراتها وموهبتها تجعل أولجا امرأة مختلفة وبطلة مميزة ولها بصمة في العمل، ومن الحوارات المهمة التي تدور بينها وبين أمليث قولها «أظهر للراعي أنك خروف» كي يتمكن من خداع فيولنير ورجاله، ثم قولها له «قوتك تقتل الرجال أما دهائي فيقضي على عقولهم» ثم بدأ التعاون بينهما من أجل الثأر.

التلاعب بالعقول

السيف الخاص الذي لا مثيل له ولا يعمل إلا في الليل أو على أعتاب أبواب «هيل» ومكتوب عليه «درويجر» أي قدرك المعروف، والذي يخوض أمليث معركة مع «ساكن الجبل» كي يحصل عليه، يذكرنا بسيف «إكسكاليبور» والساحر ميرلين والملك آرثر. وبفضل السيف يتمكن أمليث من قتل أصدقاء ثورير قبل أن يقتله هو أيضاً، ويستمر سلسال الدم حتى نصل إلى النهاية التي يمكن توقعها إن فهمت رسالة الفيلم والتي تريد التأكيد على فكرة غسل الدماغ والتلاعب بالعقول وتغذيتها بأحقاد وترغيبها في القتل والإجرام، أي صناعة الفكر الإرهابي وتنشئة المرء على حب الدم منذ الطفولة المبكرة؛ حيث يصبح كالروبوت بلا عواطف، ولا يميز في إجرامه بين كبير وصغير وبين أخ وعدو، والسلسال لا ينقطع والقتل لا يتوقف مادام الإنسان أكثر شراسة من الحيوان كما يقول صناع الفيلم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"