إزاحة الآخر

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

ما الذي يجعل مراهقاً في الثامنة عشرة من عمره يطلق النار على أطفال في مدرسة ابتدائية فيقتل 19 منهم؟ بل ما الذي يجعل هذا المراهق «الطفل» يحمل بندقية شبه آلية؟ كيف حصل عليها؟ ومتى وأين تدرب على إطلاق النار؟ هذه أسئلة تثيرها واقعة مدرسة «روب» الابتدائية في ولاية تكساس الأمريكية التي حدثت مؤخراً، وبرغم أن إجابات تلك الأسئلة قيد تحقيق السلطات التي ربما تكون قد توصلت إلى إجابات عنها، فإنها تثير فضول القارئ من ناحية ثقافية اجتماعية خاصة أن الاستخدام المهووس للسلاح بات ظاهرة متكررة في المدارس الأمريكية.
 إذا بحثت في تربية وجذور هذا المراهق  الطفل وغيره  ستجد تنشئة تفيض بالعنف، في الماضي كانت هناك مجلات «الكوميكس» للأطفال، بأبطال يمارسون العنف المفرط، حتى وإن كانوا يدافعون عن الحق. الآن استبدل هؤلاء بالألعاب الالكترونية التي دفعت الكثيرين إلى الانتحار، ولا يلبث هذا الطفل أن يكبر قليلاً حتى يتعلم في حصص التربية البدنية بعض الألعاب العنيفة، التي تدفعه للاشتراك في أحد الأندية الرياضية ليصقل قدراته في اللعبة التي يحبها، وعندما يذهب إلى السينما سيجد البطل القوي العنيف ومشاهد تتفنن في القتل والتعذيب، وإذا جلس لمشاهدة الأخبار سيصادفه القتل في كل مكان، وستخترق أذنيه لغة عنيفة في الدراما أو البرامج الحوارية، وربما يضاف إلى كل ذلك تربية عنصرية، كل هذا يتفاعل مع مرحلة المراهقة، تلك الفترة التي وصفها الكثير من الأدباء وعلماء النفس بأنها مرحلة الحلول الجذرية، فالمراهق يرى العالم وفق لونين، أبيض وأسود فقط، ولا وسط بينهما، ويود في مخيلته لو هدم العالم المحيط به وقام بتشييده من جديد.
 ولكن ربما يرى البعض أن كل هذه العوامل تتعلق بجميع المراهقين في العالم، فلماذا تتكرر هذه الحوادث في أمريكا دون غيرها؟ معظم التقارير تذهب إلى انتشار السلاح بصورة لا تتواجد في مكان آخر، ونقرأ هنا مثلاً عن الرابطة الوطنية للأسلحة التي تضم 3 ملايين عضو وتشكل جماعة ضغط تتدخل أحياناً لمنع القوانين المجرمة لحيازة السلاح. ونطالع إحصاءات ذات دلالة مثل أن 31% من الأسر الأمريكية كان لديها سلاح في عام 2014 وهي أدنى نسبة منذ أربعة عقود.. إلى آخر تلك الأسباب التي تأتي في سياق تفسير الظاهرة، ولكنها في النهاية تفسيرات ينقصها شيء، فالبشر، وخاصة فئة المراهقين، في جميع أنحاء العالم بإمكانهم ممارسة القتل أو العنف المفرط من دون امتلاك سلاح ناري.
 إذن هناك عوامل أخرى بخلاف شخصية المراهق والأسباب التي تدفعه إلى العنف، وتوافر السلاح بكثرة وانتشاره في المجتمع، عوامل تعود إلى خلل في روح الثقافة نفسها، في رؤيتها للآخرين، وخاصة المختلفين عنها، وأساليب التعامل معهم: تقبلهم أو إدارة الصراع معهم أو إزاحتهم من الوجود، هنا لا يملك المراهق بتركيبته المعقدة إلا أن يختار أسلوب الإزاحة ذلك الذي ميز، وفق كثير من المنظّرين، الثقافة الأمريكية في تعاملها مع الآخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"