الإمارات.. رؤية حكم

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

تتباين الدول في أنظمة حكمها، ولا يوجد نظام حكم مطابق ومماثل لغيره، وذلك لاختلاف بيئة الحكم الداخلية ومكوناتها المتعددة. ومع ذلك قد توجد معايير عامة للحكم الناجح والرشيد.
 واليوم يعتبر البعض الحكم الديمقراطي هو الحكم الأمثل، وهذه المقولة لم تعد قائمة مع تنامي الشعبوية والعنصرية والقومية في الكثير من الدول، وفي تراجع أدائها بمواجهة أزمات كأزمة كورونا.
 والحكم الناجح كما في النموذج الإماراتي هو القادر على أن يخلق بيئته السياسية ولديه قدرات متنامية للاستجابة والتكيف مع المستجدات السياسية والاقتصادية وغيرهما. وهذه القدرات هي التي نقيس من خلالها نجاح نظام الحكم في الإمارات الذي لخصه رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، بعد انتخابه لسدة الحكم من جانب إخوانه حكام الإمارات بقوله «أنا أخوكم محمد». ومقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «نبارك لك ونبارك لأنفسنا بقيادتك ورئاسة دولتنا ونحن سند لك». وكلمات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي: «أنت لست بغريب على هذا الموقع، أنت ابن المؤسس وشقيق المرحوم الذي حمل الراية من بعده، عاشرناك وعرفناك وكنت دائماً عند حسن الظن بك، نحن بجانبك، نسلم لك القيادة، ونحن في بلد كل الناس تحسدنا عليه». إنها كلمات تحمل دلالات سياسية عميقة توضح الغاية والرؤية للحكم.
 فالحكم في الإمارات وسيلة وليس غاية في حد ذاته، وسيلة ورسالة على المستويين المحلي والإنساني، فغاية الحكم إسعاد المواطن الإماراتي والإنسان على مستوى العالم، ورسالة في التسامح والخيرية والسلام والبناء المستدام. وغاية لضمان الأمن والمستقبل للمواطن في حياة كريمة آمنة مستقرة. وهنا تحمل معنى المسؤولية الشاملة وتسخير قدرات الدولة لتحقيق هذه الغاية. فالحكم وسيلة للمشاركة والمساهمة من قبل الجميع في صنع الدولة وقرارها السياسي، وهنا المسؤولية الجماعية التي يتحملها كل مواطن. وفي هذه الرؤية تتحقق معادلة الحكم الرشيد وكل حاكم محكوم وكل محكوم حاكم. وهذه المقولة هي أساس الحكم الرشيد الذي يقوم عليه الحكم الذي وضع مداميكه المؤسس المغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه. فالحكم الرشيد يبنى على الحرية والكرامة وليس على التغول. ومن مقومات هذا الحكم المصداقية والثقة السياسية بين الحاكم والمحكوم، وتبني سياسات الباب المفتوح الذي لا يحتاج إلى عراقيل وقيود. فالمواطن يستطيع أن يصل إلى الحاكم من خلال هذه السياسة، ومجالس الحكام هي الأقرب لترجمة الديمقراطية في أبهى صورها وهي الديمقراطية المباشرة، ومشاركة الحاكم لمواطنيه في كل مناسباتهم. 
 وهذا الحكم هو الذي دفع الدبلوماسي الأمريكي ألبرتو ميخيل فرنانديز للقول: «القيادة الحكيمة في الإمارات سلعة نادرة والإمارات محظوظة بقيادتها».
 ووظيفة الحكم وفق هذه الرؤية منع الظلم والفساد والإفساد. والرحمة في العلاقة وليس الشدة.
 والسؤال المهم في هذه الظروف والتحولات التي تمر بها الدولة والعالم عن أهمية القيادة ورؤيتها ودورها في الحفاظ على مصالح الدولة. فدولة الإمارات ليست مجرد دولة عادية صغيرة، بل دولة تقع في قلب أهم منطقة استراتيجية في العالم، وهي الأكثر استهدافاً من قبل القوى الإقليمية والدولية تاريخياً، وهذا يتطلب قيادة قوية فاعلة. فاليوم من أهم وأكبر المشاكل التي تواجه دول العالم بما فيها الدول العظمى والكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا هي القيادة. فالقيادة الفاشلة والمتسرعة والفردانية هي من تقود دولها للحروب والصراعات. وأما القيادة الناجحة والفاعلة فهي من تنأى بدولها وشعوبها عن هذه الصراعات وتعمل على إقامة بنية اقتصادية واجتماعية قوية في الداخل أساسها الإنسان الفاعل المسلح بالعلم. والقيادة تعتبر من أهم عناصر قوة الدولة. فالحكم في الإمارات ليس فردياً بل جماعياً بمفهوم السند والعضيد.
 هذه الرؤية للحكم تحمل مضامين كثيرة تستقي أصولها من الدين ومن المفهوم القبلي للحكم والمفهوم المعاصر الذي يأخذ بأسباب الحكم والقرار السياسي والتشاور وتشجيع مراكز البحث التي تقدم توصياتها للحاكم. 
 ويبقى أن الحكم هنا يذكرنا بمقولة أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه: «أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوّموني».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"