عنوان لجيل

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

إلى أي مدى يصح أن نعتبر أديباً أو مفكراً أو فناناً، مهما علت مكانته، وتميّز عطاؤه، بأنه رمز أو عنوان لجيله، فما هي المعايير التي تمنحه، هو بالذات لا سواه، هذه الصفة أو «الامتياز»، وماذا عن مجايليه من الأدباء والمفكرين والفنانين، خاصة لدى الأجيال التي تنتمي إلى مراحل تميّزت بخصوبة الإبداع والعطاء، وهي موجودة في التواريخ الأدبية والثقافية والفنية للأمم والشعوب المختلفة.
قبل أيام وقعت عيني على منشور على أحد الحسابات، مرفق بصورة تضمّ الوجوه الفنية المصرية التالية التي وقف أصحابها في صفين في إحدى المناسبات، وفق هذا الترتيب: في الصف الأول وقف: يوسف وهبي، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وفكري أباظة، ومحمد حسنين هيكل، وفي الصف الثاني وقف: بيرم التونسي، وأحمد رامي، وعبد الحليم حافظ، ومحمد القصبجي، وزكريا أحمد، وكمال الطويل.
كما نرى فإنها كلها وجوه بارزة في مختلف مجالات الإبداع، والمؤكد أن هناك تفاوتات في حجم عطاء أصحابها، ولكن ليس سهلاً أن ننتقي اسماً بعينه من بينها، لنقول عنه  وحده  إنه رمز أو عنوان لذلك الجيل، ونتجاهل بقية الأسماء، فهي كلها أسماء مهمة ومبدعة تركت بصمتها التي لا تُمحى على زمنها وعلى إبداع ذلك الزمن وما تلاه.
معلومة أخرى قرأتها مؤخراً، من العراق هذه المرة، عن أول مجلس إدارة للاتحاد العام للكتّاب الذي تشكّل في عام 1959 فترة ما عرف بالزمن الجمهوري الأول، فإضافة لمحمد مهدي الجواهري الذي انتخب بالإجماع رئيساً له، نجد في عضوية المجلس أسماء: ذو النون أيوب، ومحمد صالح بحر العلوم، ومهدي المخزومي، وعبد الوهاب البياتي، وعلي جواد الطاهر، ولميعة عباس عمارة، ويوسف العاني، وسعدي يوسف، وعلي جليل الوردي، وسواهم. وهنا مرة أخرى نقول: أيصحّ اعتبار واحد بعينه من هذه القائمة ليكون رمزاً لذلك الجيل، ونغفل أسماء البقية الذين كانوا جميعاً قامات للإبداع، أرسوا تقاليد الحركة الأدبية والفكرية الحديثة في العراق.
حين وضع شوقي عبد الحميد كتابه: «بهاء طاهر في إبداعاته»، مضيفاً إلى عنوانه الرئيسي عنواناً شارحاً هو «مسيرة جيل»، طلب من الناقد صبري حافظ وضع تقديم للكتاب، فأثنى فيها على محتوياته، لكنه تحفظ على العنوان الفرعي، من منطلق مشابه للذي أتينا عليه أعلاه. فهو لا يرى وجاهة للتعميم في اعتبار سيرة بهاء طاهر  على أهميته  عنواناً للجيل الذي ينتمي إليه، ومن وجوهه محمد البساطي، وصنع الله إبراهيم، وعبد الحكيم قاسم، ويحيى الطاهر، وإبراهيم أصلان، بالنظر إلى التمايزات في الموقف والرؤية بين كاتب وآخر من أبناء ذلك الجيل، حتى وإن جمعت بينهم الرؤية النقدية تجاه الواقع.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"