هجرات الجوع

00:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. كمال بالهادي
في رحلاتها السنوية بحثاً عن المراعي الخصبة والمياه تقطع ملايين الحيوانات مئات وربما آلاف الكيلومترات في وسط القارة الإفريقية، بحثاً عن الغذاء والمياه التي تؤمّن استمرارية الحياة لها وللأجيال المقبلة. هذه الصورة التي لطالما تكرّر عرضها القنوات الإعلامية الوثائقيّة ليست ببعيدة عن واقع البشر في هذه القارّة المفقّرة..
 أصوات كثيرة تتعالى من داخل قارّة إفريقيا بسبب النقص الفادح في إمدادات القمح بسبب الحرب الأوكرانية الروسية. وهناك دول أعلنت حالة الطوارئ الغذائية على غرار دولة تشاد الفقيرة. هذا الوضع دفع رئيس الاتحاد الإفريقي إلى زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإخباره أن الدول الإفريقية هي ضحايا أبرياء للحرب، وعلى روسيا وأوكرانيا أن تعملا على التخفيف من معاناة تلك الدول، وذلك أثناء اجتماع بين الزعيمين في مدينة سوتشي الروسية. وقال ماكي سال، رئيس الاتحاد، إن الرئيس بوتين وعد بتخفيف القيود على صادرات الحبوب والمخصبات من المنطقة إلى باقي أنحاء العالم، لكنه لم يوضح أي تفاصيل عن ذلك. 
 وقبل اندلاع هذا الصراع، كان حوالي 40 في المئة من القمح الذي تستهلكه دول إفريقيا يأتي من روسيا وأوكرانيا.
 وفي نجامينا، أعلنت تشاد «حالة طوارئ غذائية» بسبب «التدهور المستمر للوضع الغذائي» نتيجة الحرب في أوكرانيا، وفق مرسوم صدر قبل نحو أسبوع في البلد الذي تصنفه الأمم المتحدة ثالث أقل دولة نمواً في العالم. وتشير تقارير الأمم المتحدة عام 2021 إلى أن 5,5 مليون تشادي، أي أكثر من ثلث سكان البلد غير الساحلي الواقع في وسط إفريقيا، بحاجة إلى «مساعدات إنسانية عاجلة». وتفاقم الوضع بسبب الحرب في أوكرانيا مع تعطيل روسيا تصدير الحبوب الأوكرانية.
 ويحذر خبراء أوروبيون أن العالم بات يقف على أعتاب مجاعة كبرى لا في الدول الأقل نمواً بل حتى في الدول الغنية. ويقولون إنّ هناك عشرة أسابيع فقط تفصلنا عن أكبر مجاعة عالمية. وهو ما يتماهى مع تحذيرات سابقة من أنّ الخريف القادم سيكون موعد هذه المجاعة، إن لم يتم إيجاد حلول لضمان استئناف تصدير القمح من أوكرانيا. 
 وقد أكد أمين عوض، منسّق الأمم المتحدة في أوكرانيا، أن المنظمة تجري مفاوضات مكثّفة بعيدة عن الأضواء للسماح بتصدير عشرات ملايين الأطنان من الحبوب الأوكرانية، ومنع حدوث أزمة غذاء عالمية، معرباً عن تفاؤل شديد الحذر. 
 وقال عوض للصحفيين في جنيف، خلال مؤتمر صحفي دوري عبر الإنترنت: «هناك كثير من الرحلات المكوكية بين موسكو ودول أخرى التي تشعر بالقلق، لكنني لا أعتقد أن هناك حلًا يلوح في الأفق بوضوح شديد في الوقت الحالي». وتخشى الأمم المتحدة «إعصار مجاعة» خصوصاً في البلدان الإفريقية التي تستورد أكثر من نصف قمحها من أوكرانيا أو روسيا، وتعطلت إمدادات الحبوب من البلدين للقارة الإفريقية بشدة منذ غزو روسيا لجارتها قبل 100 يوم.
 المسألة هنا لا تتعلق بمجاعة فقط بل بما سينتج عنها من أزمات أمنية واجتماعية خطِرة. فهناك تحذيرات جدّية من تدفق الملايين من جنوب القارة الإفريقية إلى شمالها ومن ثمة إلى أوروبا بحثاً عن الأمن الغذائي.
 وفي تدوينة يحذّر من خلالها من «هجرات المجاعات» القادمة يقول المحلل السياسي التونسي رافع الطبيب: «كارثة متعددة الأبعاد انطلقت ارتداداتها في الجوار اسمها الجوع.. ستتحول قريباً إلى موجات ضخمة من الهجرة نحو أراضينا، انطلاقاً من بلدان الساحل والصحراء ووسط إفريقيا. تشاد أطلقت صيحة استغاثة، وأعلنت حالة الطوارئ القصوى الغذائية، والسنغال عبر رئيسها الذي زار موسكو يصرح أن إفريقيا ستنهار دولاً وشعوباً إذا تأخرت الإعانات الغذائية من روسيا. 
 وتونس موجودة على خط الهجرات المنتظرة ولا مجال أمامنا للإنكار. إما ترك الموجات تواصل زحفها نحو أوروبا عبر سواحلنا وإما القبول بتوطين مئات الآلاف (أو ربما أكثر) من أبناء قارتنا تحت الضغط الأوروبي.
 الوضع على أبواب انفجار عظيم، ستكون له مفاعيل خطِرة في الأسابيع القادمة إن لم يتم الإفراج عن شحنات الغذاء عبر الموانئ الأوكرانية. ستكون هناك حرب أخرى خفية بين الدول القوية التي ستضمن حصتها أوّلاً، والدول الفقيرة التي ستنتظر حتى تمتلئ بطون أهل الشمال. 
 إفريقيا أغنى القارات موارد مائية وأراضي خصبة، وعليها أن تستثمر هذه الأزمة لإطلاق موجات زراعة هائلة، بدل الاستمرار في موجات الهجرة والمجاعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"