عادي

«إس آند بي»: ارتفاع أسعار السلع يدعم انتعاشاً أقوى للتمويل الإسلامي

00:02 صباحا
قراءة 8 دقائق

دبي: «الخليج»

تعتقد وكالة «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» أن قطاع التمويل الإسلامي سيحقق نمواً مكوناً من رقمين في الفترة ما بين 2022-2023 بعد أن بلغ نمو إجمالي الأصول 10.2% في عام 2021. دَعَمَ النمو العام الماضي أصول الصيرفة الإسلامية في بعض الدول الخليجية وماليزيا، وإصدارات الصكوك التي تجاوزت الصكوك المستحقة والأداء القوي لقطاع التمويل الإسلامي.

وقالت الوكالة: «نعتقد أن ارتفاع أسعار السلع هذا العام سيدعم انتعاشاً أقوى في العديد من الأسواق الأساسية للتمويل الإسلامي. علاوة على ذلك، تتمتع معظم هذه البلدان بالمرونة النسبية تجاه الصدمات الاقتصادية الناتجة عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا. هذا سيدعم آفاق القطاع للفترة من 2022 إلى 2023، لكن الظروف العالمية المعاكسة قد تغير الصورة. لقد خفضنا مؤخراً توقعاتنا الاقتصادية العالمية في السيناريو الأساسي لدينا لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين ومنطقة اليورو. نتوقع أيضاً أن يؤدي ارتفاع أسعار السلع وتغير وضع السيولة العالمية إلى انخفاض إصدارات الصكوك في عام 2022، بعد انخفاض الإصدارات بنسبة 23.2% في الربع الأول. ونظراً للتباين بين المصادر المختلفة، فقد ركزنا في تحليلنا على إصدارات الصكوك الدولية، التي ارتفعت بنسبة 12.3% في الربع الأول من عام 2022 بعد أن استغل بعض المُصْدرين الأكثر عرضة لمخاطر السوق قبل تراجع السيولة العالمية.»

نقاط الضعف الهيكلية

وفقاً للوكالة، ما يزال قطاع التمويل الإسلامي متراجعاً بسبب نقاط الضعف الهيكلية، وبالتحديد تعقيدات إجراء المعاملات وارتباط الأداء بأسعار النفط نظراً لتركز القطاع في البلدان المُصدّرة للسلع. لم يتغير التوزيع الجغرافي للقطاع بشكل جوهري خلال العقد الماضي، مما يشير إلى أنه قد يجد صعوبة في جذب الاهتمام من خارج الأسواق التقليدية. علاوة على ذلك، إن التفضيل الواضح لبعض علماء الشريعة لفرض نسبة أعلى من الأرباح والخسائر في الصكوك يطرح تحديات قانونية محددة. من وجهة نظرنا، من المرجح أن تتضاءل شهية المستثمرين والمُصْدرين بشكل ملحوظ بمجرد أن تصبح الصكوك أدوات شبيهة بالأسهم. لذلك، فإن توحيد المواصفات وتلبية متطلبات جميع أصحاب المصلحة هو وسيلة معقولة لكي يحافظ القطاع على جاذبيته.

وقالت: «نرى أيضاً فرصاً في توافق بعض المنتجات المالية الإسلامية مع عوامل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. نتوقع أن نرى زيادة في إصدارات الصكوك الخضراء والمستدامة (من قاعدة منخفضة) حيث يتطلع المُصْدرون إلى توسيع قاعدة المستثمرين وجذب الصناديق الاستثمارية التي تدعم الاستدامة. كما قطعت العديد من البنوك الإسلامية شوطاً كبيراً في مجال التحول الرقمي، كالبنوك القائمة في منطقة الخليج أو ماليزيا، لكن البنوك الإسلامية في البلدان الأساسية الأخرى للتمويل الإسلامي لم تحذُ حذوهم بعد. علاوة على ذلك، يمكن أن تجذب الصكوك الرقمية اهتماماً كبيراً من المستثمرين في المستقبل بمجرد تحقيق المتطلبات الأساسية اللازمة.»

معدل النمو 10% بين 2022-2023

استمر قطاع التمويل الإسلامي في النمو في عام 2021 مع ارتفاع حجم الأصول بنسبة 10.2%، مقابل 11.4% في عام 2020، بدعم من نمو الأصول المصرفية.

وبفضل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والمرونة النسبية للعديد من الدول الأساسية للتمويل الإسلامي في التعامل مع تبعات الصراع بين روسيا وأوكرانيا، نعتقد أن القطاع سيستمر في النمو بنحو 10% سنوياً، بدعم من:

* تسارع النمو الاقتصادي:

نتوقع أن يتسارع النمو الاقتصادي في معظم الأسواق الرئيسية، ولا سيما في الدول الخليجية وماليزيا، وذلك بفضل ارتفاع أسعار النفط. من المتوقع أيضاً أن تشهد إندونيسيا نمواً اقتصادياً قوياً، بينما نتوقع تباطؤاً ملحوظاً في تركيا بعد نمو مكون من رقمين في عام 2021. كما أن الأجواء الضبابية تحيط بالتوقعات بسبب الظروف العالمية المعاكسة بما في ذلك:

الصراع بين روسيا وأوكرانيا وتصاعد التوترات مع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتي طال أمدها أكثر مما كان متوقعاً، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم، التي تغذيها أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، وقيام السلطات الصينية بإغلاق مدن ومناطق رئيسية لوقف انتشار كوفيد -19، وتكثيف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنوك مركزية رئيسية أخرى جهودهم لكبح جماح التضخم.

وقالت الوكالة: لقد خفضنا مؤخراً توقعاتنا الاقتصادية العالمية للاقتصادات الرئيسية الثلاث في العالم في السيناريو الأساسي. نتوقع الآن نمواً بنسبة 4.2% في الصين، و2.4% في الولايات المتحدة، و2.7% في منطقة اليورو في عام 2022. هذا المشهد الاقتصادي العالمي المتغير قد يؤثر على البلدان الأساسية للتمويل الإسلامي.

* نمو أسرع لأصول البنوك:

نظراً للتوقعات الاقتصادية الإيجابية للعديد من دول التمويل الإسلامي، من المتوقع أن تتسارع وتيرة نمو التمويل المصرفي. في المملكة العربية السعودية، سيؤدي استمرار الطلب على قروض الرهن العقاري وتنفيذ مشاريع رؤية المملكة 2030 إلى خلق فرص للتوسع أمام القطاع. في الدول الخليجية الأخرى، سيساعد ارتفاع المعنويات الاقتصادية الإيجابية والإنفاق الحكومي والاستثمارات على تسريع وتيرة النمو. في جنوب شرق آسيا، نتوقع أن يتوسع سوق الخدمات المصرفية الإسلامية الذي تبلغ قيمته 290 مليار دولار بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي 8% خلال السنوات الثلاث المقبلة. وفي الوقت نفسه، نتوقع استمرار ارتفاع نشاط الإقراض الاسمي في تركيا، حيث من المتوقع أن ينمو بنحو 42% في عام 2022، ولكن من المرجح أن تتأثر حصة المساهمة العالمية بتقلب سعر صرف الليرة.

* انخفاض حجم إصدارات الصكوك، ولكن مع زيادة الكمية القائمة:

تتوقع وكالة «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» انخفاض إجمالي إصدارات الصكوك في عام 2022. هذا مقارنةً مع استقرار عند 147.4 مليار دولار في عام 2021، مقابل 148.4 مليار دولار في عام 2020، وزيادة بنسبة 105% في الإصدارات المقومة بالعملات الأجنبية خلال نفس الفترة. ويساهم في ذلك العديد من العوامل. من المرجح أن يؤدي انخفاض السيولة العالمية وزيادة التعقيدات المتعلقة بالمعايير التنظيمية إلى تراجع إصدار الصكوك في عام 2022، على افتراض بقاء أي اضطراب سلبي مرتبط بجائحة كوفيد-19 في الدول الأساسية للتمويل الإسلامي تحت السيطرة. نتوقع أيضاً تراجع احتياجات التمويل في بعض الدول الأساسية للتمويل الإسلامي وبأن تظل بعض الشركات حذرة في زيادة الإنفاق الرأسمالي بعد التعافي البطيء من الجائحة. في الوقت نفسه، من المرجح أن تؤدي البيئة الاقتصادية الأكثر دعماً والإنفاق الحكومي إلى خلق الفرص في الدول المصدرة للسلع. علاوة على ذلك، من المرجح أن تستمر بعض الحكومات في طرح إصدارات بالعملة المحلية في سعي منها لتطوير أسواق رأس المال المحلية وتوفير طرق تمويل بديلة لاقتصاداتها. وقالت الوكالة: نلاحظ أن إجمالي الإصدارات قد انخفض بنسبة 23.2% وأن الإصدارات المقومة بالعملات الأجنبية زادت بنسبة 12.3% في الربع الأول من عام 2022، بعد أن أطلق بعض المُصْدرين خططهم بشكل مبكر للاستفادة من ظروف السوق قبل ارتفاع أسعار الفائدة. العديد من هذه الإصدارات كانت إما من أطراف مقابلة ذات تصنيف ائتماني منخفض أو على شكل أدوات لتعزيز رأس المال. على الرغم من الانخفاض في حجم الإصدارات، فإننا نتوقع أن يتجاوز حجم إصدار الصكوك حجم الصكوك المستحقة في عام 2022، والتي نقدرها بنحو 96 مليار دولار.

* بعض الدعم من قطاعي التكافل والصناديق الاستثمارية:

بالرغم من أن مساهمتهم في القطاع لا تزال محدودة، إلا أننا نتوقع أيضاً نمو قطاعي التكافل والصناديق الاستثمارية هذا العام. ما نزال نرى بأن قطاع التكافل مستمر بالنمو بمعدل سنوي يتراوح ما بين 5%-10%، ولكن نمو صناديق الاستثمار أقل يقيناً بسبب اضطرابات السوق منذ بداية عام 2022، مع احتمال أن تتأثر صناديق الأسهم التي تشكل ربع القطاع وصناديق الصكوك وأسواق المال التي تشكل 60% من القطاع بارتفاع معدلات الفائدة العالمية.

بشكل عام، نعتقد أن قطاع التمويل الإسلامي يمكن أن يحقق نمواً بنسبة 10% (باستثناء إيران) خلال العامين المقبلين. يأتي هذا في سياق نقاط الضعف التقليدية المتكونة في تركيز الأصول في دول محددة وغياب توحيد المواصفات، ولكن مع ظهور فرص جديدة للنمو.

التوسع إلى ما وراء حدوده التقليدية

بعد 50 عاماً، لا يزال قطاع التمويل الإسلامي عبارة عن مجموعة من القطاعات المحلية وليس قطاعاً ذو ملامح عالمية حقيقية. لم يكن هناك تغيير كبير في توزيع الأصول المصرفية لقطاع التمويل الإسلامي خلال العقد الماضي (انظر الرسمين البيانيين 3 و4). علاوة على ذلك، لا يزال القطاع يتركز في الدول المُصدّرة للنفط ويبدو أنه غير قادرة على جذب الاهتمام إلى خارج حدوده التقليدية. من وجهة نظرنا، إن الافتقار للقدرة التنافسية لبعض منتجات التمويل الإسلامي والإجراءات المعقدة المرتبطة بهيكلة الصكوك تعتبر من العوامل الرئيسية التي تسهم في إحجام الدول غير الأساسية في القطاع ولا سيما الدول غير الإسلامية.

أحد الأمثلة الحديثة هو تطبيق المعيار 59 لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي). إن سوق الصكوك الهجينة التي تجمع بين المرابحة السلعية والأصول الملموسة كاد أن يتجمد في أوائل عام 2021 عندما دخل المعيار حيز التنفيذ في دولة الإمارات العربية المتحدة. التحدي الذي واجهه المصْدرون هو كيفية تنفيذ معايير أيوفي دون تغيير الخصائص الائتمانية للمعاملة. توصل المحامون في النهاية إلى حل مقبول من مختلف أصحاب المصلحة، ولكن ذلك ساهم في زيادة انكشاف المستثمرين لمخاطر الأصول المتبقية. ونتيجة لذلك، قرر بعض المستثمرين التركيز على الأسواق التقليدية، والابتعاد عن الصكوك في الوقت الحالي.

وتابعت الوكالة: من وجهة نظرنا، إن الأصوات المتناقضة من علماء الشريعة الذين يدعون إلى زيادة الخصائص الشبيهة بالأسهم وأصوات المستثمرين الذين يفضلون زيادة الخصائص الشبيهة بالديون يمكن أن تعطل السوق. يمكن أن يتحقق هذا إذا ما ناقش العلماء آليات تقييم الأصول الأساسية، أو تحديد سعر الشراء عند الإصدار، أو دفع الإيجار غير المرتبط بقيمة الأصول الأساسية. من وجهة نظرنا، من المرجح أن تتضاءل شهية المستثمرين والمُصْدرين بشكل ملحوظ في حال أصبحت الصكوك أدوات شبيهة بالأسهم. لذلك، فإن توحيد المواصفات وتلبية متطلبات جميع أصحاب المصلحة هو وسيلة معقولة لكي يحافظ القطاع على جاذبيته. نعتقد أن هناك هياكل صكوك لمجموعة كاملة من الأدوات المالية، من أدوات الدخل الثابت إلى الأدوات الشبيهة بحقوق الملكية.

زاوية الاستدامة تجذب الانتباه

منذ بداية العام، حملت بعض معاملات الصكوك علامة الاستدامة. من الصكوك الخضراء إلى الاجتماعية، نتوقع بأن نشهد المزيد من هذه الإصدارات حيث يلبي المُصْدرون طلبات المستثمرين.

وتتعرض العديد من دول التمويل الإسلامي لمخاطر التغير المناخي والعديد من هذه الدول يطور أو ينفذ استراتيجيات تحول، بما فيها الاستثمار الكبير في الطاقة النظيفة. هذه الاستثمارات تقدم فرصاً حقيقية للصكوك المستدامة في الدول الأساسية للتمويل الإسلامي. مع ذلك، نتوقع أن يستغرق تحول الطاقة وقتاً طويلاً حتى يتحقق في الدول الخليجية وماليزيا، وبالتالي، نتوقع أن نشهد لجوءاً متقطعاً للصكوك الخضراء.

يمثل الركن الاجتماعي للتمويل الإسلامي فرصة أخرى للصكوك المستدامة. ومع استمرار ظهور الآثار الاقتصادية للجائحة على شكل ارتفاع في معدلات البطالة، خاصة في الدول ذات القيود المالية، يمكن للصكوك الاجتماعية أن تساعد في إطفاء الصدمة. هذه الأدوات وغيرها من أدوات التمويل الإسلامي يمكن أن يكون لها تأثير أكبر إذا استغلت بشكل صحيح.

التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية تفتحان آفاقاً جديدة للنمو

وأظهرت جائحة كوفيد-19 مدى أهمية قدرة الشركات أو البنوك على تحويل أعمالها إلى الإنترنت للاستمرار في نشاطها. بالنسبة للبنوك الإسلامية والصكوك، إن زيادة التعاون مع التكنولوجيا الرقمية والمالية يمكن أن يساهم في يعزز المرونة لديهم في بيئات أكثر تقلباً وأن يفتح لهم آفاقاً جديدة للنمو. يسير القطاع ببطء في هذا الاتجاه، حيث تحتل التكنولوجيا الرقمية الآن مكاناً بارزاً بين أولويات صانعي القرار. في دول مجلس التعاون الخليجي، على سبيل المثال، حولت بنوك أنشطتها إلى منصات على الإنترنت أثناء الإغلاق بحد أدنى من التأثر. العوامل الرئيسية الثلاثة لاستقرار القطاع ستكون توفير خدمات مصرفية رقمية، وإصدار صكوك على منصة رقمية باستخدام تقنية البلوكشين، وتعزيز الأمن الإلكتروني.

مع ذلك، إن توفير البنية التحتية العينية وغير العينية وإجراء الرقابة الضرورية ووضع الإطار التنظيمي سيكون من المتطلبات الأساسية للتكنولوجيا المالية لتحفيز قطاع التمويل الإسلامي. وهذا ما دفع العديد من الجهات التنظيمية والجهات المعنية في منطقة الخليج وغيرها إلى إطلاق حاضنات أو مختبرات تنظيمية محددة (ساندبوكس) حيث يمكن لشركات التكنولوجيا المالية اختبار ابتكاراتها. يمكن أن تساعد البيئة التنظيمية للصكوك الرقمية والجسر النقدي بين العالمين المادي والرقمي في فتح الطرق للوصول إلى الأسواق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"