عادي
عدو أمريكا ليس روسيا

«إنترسبتور».. «أكشن» من الطراز القديم

22:50 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

لا لوم على فيلم حديث يختار صنّاعه ارتداء ثوب قديم ومحاولة تزيينه بإكسسوارات تتناسب مع العصر الحالي، فالسينما الأمريكية أصبحت تختصر الطريق، وتستهلك من البضاعة المستهلكة؛ نادراً ما تخرج علينا بأفكار جديدة ونادراً ما تبهرنا بقصص لم تتطرق لها في السابق وكأن زمن الابتكار شارف على الانتهاء؛ لذا لا يمكن الحكم على فيلم «إنترسبتور» الذي أطلقته «نتفليكس» حديثاً لكونه مبنياً على فكرة وقصة مكررة عشرات المرات لدرجة أنك تسبق المؤلف والمخرج في ترتيب الأحداث في دماغك وتعرف مسارها ومصير أبطالها مسبقاً وكأنك شاركت في التأليف، إنما الحكم الحقيقي يكون على بعض النقاط المستحدثة وجودة العمل وبراعة أبطاله أو بالأحرى بطلته.

هل تذكرون «جي آي جاين» (فيلم للمخرج ريدلي سكوت 1997) الشخصية التي اشتهرت بها نجمة التسعينات ديمي مور؟ من يشاهد «إنترسبتور» أو «مهمة اعتراضية» (والترجمة الحرفية «المعترض») ويرى بطلته «جاي جاي كولينز» والشكل الذي تظهر به النجمة إلسا باتاكي والإرادة التي تتحلى بها فتتحدى من يفوقونها رتبة في الجيش الأمريكي والتنمر الذي تعرضت له وبنيانها الجسدي القوي على الرغم من نعومة ملامحها، يتذكر فوراً جي آي جاين وديمي مور، مع فارق في مضمون القصة؛ حيث تبدو قصة دانيال ألكسندرا أقرب إلى المنطق وإلى زمن أفلام التسعينات، بينما «إنترسبتور» للمخرج والمؤلف ماثيو رايلي بعيد جداً عن المنطق وعن عصر التطور الذي نعيشه اليوم.

إنه فيلم «أكشن» من الطراز القديم أضيفت له بعض اللمسات ليناسب الوقت الراهن، ولكنها لمسات غير جوهرية؛ لذلك تشعر بأن ما كان مناسباً للثمانينات والتسعينات لا يمكن إعادته إلى الشاشة بنفس الأسلوب دون إضافة وابتكار أفكار متطورة، فحتى «الأكشن» يختلف مع مرور الوقت، ويتطور مع تطور أدوات وإمكانات السينما. هذا لا يعني أن الفيلم سيئ؛ بل يمكنك مشاهدته والاستمتاع بفكرة أنك تشاهد فيلماً جديداً على «نتفليكس» دون خوف من مشاهد وقحة ودون مفاجأتك بإقحام شخصيات شاذة يفرضونها عليك لتشاهدها وتتقبلها رغماً عنك.

إيجابية «مهمة اعتراضية» فيلم مغامرات وحركة وتشويق عالٍ يبرع فيه رايلي لدرجة أنه يشدك لمتابعة الفيلم ساعة و39 دقيقة بلا هبوط ولا بطء في الإيقاع، ولولا هذه الإيجابية لما تمكنتَ من متابعة عمل يستند على اللامنطق في جعل حياة الشعب الأمريكي مرهونة بقدرة شخص واحد وهي البطلة جاي جاي على مواجهة الخونة وإنقاذ أمريكا من مجزرة؛ بل إبادة جماعية.

يبدو أن ماثيو رايلي لم يشأ أن يغامر في بداية انطلاقته في عالم «هوليوود»؛ حيث يعد هذا الفيلم هو فيلمه الطويل الأول كتابة وإخراجاً، فقدم فيلماً بميزانية معتدلة مع عدد قليل من الممثلين وحصر التصوير أيضاً في مكان واحد لا يخرج منه إلا في مشاهد ولقطات قليلة. يبدأ بالتعريف عن نقطة انطلاق الأحداث، شارحاً بأن أي صاروخ نووي يتم إطلاقه من روسيا يستغرق نحو 24 دقيقة كي يصل إلى أمريكا، وأن أمريكا تملك محطتي «اعتراض» تطلق منهما أو من إحداهما صواريخ تعترض طريق الصاروخ النووي فتقضي عليه قبل وصوله إلى أراضيها، إحداهما «فورت جريلي» في ألاسكا وقد تعرضت لهجوم قتل فيه كل الجنود والعاملين في المحطة، والثانية «إس بي إكس وان» في المحيط الأطلسي، وهي الهدف التالي لهذه العملية الإرهابية.

تهبط اختصاصية أنظمة الصواريخ الجديدة النقيب جاي جاي كولينز (إلسا باتاكي) على أرض «إس بي إكس وان» وسط المحيط الأطلسي والتي تحتوي على صواريخ اعتراضية وهي شبكة الأمان الدولية الوحيدة الآن القادرة على التصدي لأي إطلاق لسلاح نووي. إنها تشبه العودة للوطن بالنسبة لكولينز، لأنها أجبرت على الخروج من الخدمة بعد تقدمها بشكوى ضد رئيسها متهمة إياه بالتحرش، ما تسبب لها بأزمة نفسية خصوصاً أنها تعرضت لحملات تنمر وتهديدات متلاحقة ولم يقو من عزيمتها ويعيد لها الثقة بنفسها وبقدراتها سوى والدها (كولن فريلز). تعلم جاي جاي بأنها آتية من أجل مهمة خطرة ومستعجلة، ولا يطيل المؤلف والمخرج المقدمات ليترك المساحة الأكبر من الفيلم لعمليات القتال في سبيل الدفاع عن هذه المحطة وحماية صواريخ الاعتراض ومنع مجموعة مجهولة من إطلاق صواريخ نووية من روسيا باتجاه أمريكا؛ لذا تم تدمير المحطة الأولى في ألاسكا، وسرقة «صواريخ تافلينكا» النووية الروسية وقد أبلغت روسيا عن فقدانها، والآن جاء دور المحطة الثانية في المحيط الأطلسي.

ما إن تكتشف جاي جاي أن وصول هذه المجموعة إلى محطتهم لن يتم بسهولة إلا إذا كانوا قد تسللوا سابقاً متنكرين بصفتهم عمالاً في المحطة، حتى يتم قتل قائد المحطة وتتمكن كولينز من قتل أحد هؤلاء المتسللين وتقفل مركز التحكم بالمحطة ومعها العريف شاه (ماين ميهتا) المسالم الذي يعمل فنياً ولا يجيد القتال؛ بل يخاف من استخدام السلاح، وبيفر بيكر (أرون جلينين) المغمى عليه.

مسار جديد ربما لأول مرة نشعر بتغيير في مسار السينما الأمريكية وبهذا الشكل الواضح، وهي النقطة الأساسية التي كسر فيها ماثيو رايلي طوق تكرار «الأكشن» المستهلك؛ حيث جعل المجموعة التي سرقت 16 صاروخاً نووياً من روسيا لتطلقها على 16 مدينة أمريكية (من بينها العاصمة طبعاً) هي مجموعة أمريكية أباً عن جد، انشقت عن الجيش الأمريكي والتقى عناصرها حول التفكير العنصري، وهدفهم «إعادة أمريكا إلى عزها ومجدها قبل أن تتغير هويتها بسبب الأجانب القادمين إليها»، المجموعة يقودها ألكسندر كيسيل (لوك برايسي)، ابن الملياردير الأمريكي والناقم على أبيه وثروته ويرى أن «أمريكا أكبر كذبة على مر التاريخ» ولا يتم اختيار الأشخاص للمناصب المهمة وفق مؤهلاتهم؛ بل ثرواتهم حيث «يتعاملون مع الغني على أنه ذكي» كما يقول. هذه أول مرة نرى فيها العدو الروسي بريئاً والعدو الحقيقي لأمريكا هو أمريكي بفكره العنصري، والذي يتجسد كثيراً في شخصية بيفر الذي يفيق من الإغماء ليكشف عن تواطئه مع المجموعة وانتمائه لهم، وهو يكره زميليه شاه وكولينز لأنهما كغيرهما من المهاجرين إلى أمريكا الذين تسببوا في تشويهها وسرقوا الفرص الكثيرة من أمام أبنائها الأصليين مثل بيفر وزملائه.

المهمة الاعتراضية تنجح وينجح الفيلم من حيث «الأكشن» وإن كانت بعض مشاهد العنف والدماء وقطع الرأس غير ضرورية؛ النجم كريس هيمسورث يظهر في مشاهد صغيرة كضيف شرف بينما هو فعلياً شريك في إنتاج هذا الفيلم ربما من أجل عيون زوجته الإسبانية الأصل إلسا باتاكي.

المنقذة الوحيدة

باتاكي وبريسي يتحملان مسؤولية الفيلم، والجرعة الأكبر من المسؤولية على عاتق إلسا باتاكي التي تبدو البطلة الأولى والمنقذة الوحيدة لأمريكا في النصف الثاني من الفيلم، وتجيد أداء الدور بامتياز لكن هذه البطولة الخارقة والوهمية تفقد من قيمتها حين تصبح غير منطقية؛ حيث تتفوق جاي جاي بالقوة الفكرية والبدنية على كل من تواجههم في المحطة ومن تتواصل معهم في البيت الأبيض من رئيسة أمريكا إلى كل مستشاريها وقائد الجيش.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"