عادي

عذب الكلام

23:29 مساء
قراءة 3 دقائق
1

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

من بدائعِ التّشبيه، باكتمالِ الصورةِ وإحاطَتِها بأكثرَ من توصيفٍ، قولُ ذي الرُّمة، في تَشبيهِ الْحَديث الطيّب:

وإنّا لَنُجْري بَيْننا حينَ نَلْتقي

حَديثاً لَهُ وَشْيٌ كَوَشْيِ المَطَارفِ

حَديثاً كوَقْعِ القَطْرِ في المَحْلِ يُشْتَفى

بهِ مِنْ جَوىً في داخِلِ القَلْبِ لاَطِفِ

وقولُ الأحوص، في تَشبيهِ الْحَديثِ الكَريه:

وأعْجَلنا وَشْكُ الْحَديثِ وبَيْنَنا

حَديثٌ كَتَنْشِيجِ المَريضَيْنِ مُزْعِجُ

حَديثٌ لَوَاَنَّ اللَّحْمَ يَصْلى بِبَعْضهِ

غَريضاً أتى أصحابَهُ وهو مُنْضَجُ

دُرر النّظم والنّثر

مِن نُعْمَياتكِ

بدوي الجبل (محمد سليمان الأحمد)

(بحر البسيط)

من نُعْمَياتكِ لي أَلْفٌ مُنوَّعَةٌ

وكُلُّ واحِدةٍ دُنْيا مِنَ النُّورِ

رَفَعْتِني بِجَناحَيْ قُدْرةٍ وهَوىً

لِعالمٍ مِنْ رُؤى عَيْنَيْكِ مَسْحورِ

أُخادِعُ النَّوْمَ إشْفاقاً على حُلُمٍ

حانٍ على الشَّفَةِ اللَّمْياءِ مَخْمورِ

وزارَ طَيْفُكِ أجْفاني فَعَطَّرَها

يا للطُّيوفِ الغَريراتِ المَعاطيرِ

رَشَفْتُ صَوْتَكِ في قَلْبي معتّقةً

لَمْ تُعْتَصَرْ وضِياءً غَيْرَ مَنْظورِ

خَلَقْتِنِي مِنْ صَباباتٍ مُدَلَّهَةٍ

ظَمْأى الْحَنينِ إلى دَلٍّ وتَغْريرِ

فكيْفَ أَغْفلْتِ قلْبي مِنْ تَجَلُّدِهِ

لمّا تَولَّيتِ إبْداعي وتَصويري

يا طِفْلةَ الرُّوحِ حَبّاتُ القُلوبِ فِدى

ذَنْبٍ لِحُسْنِكِ عِنْدَ اللهِ مَغْفورِ

عِنْدي كُنوزُ حَنانٍ لا نَفادَ لها

أَنْهَبْتُها كُلَّ مَظْلومٍ ومَقْهورِ

أُعْطي بِذِلّةِ مَحْرومٍ فَوا لَهَفي

لِسائلٍ يُغْدقُ النَّعْماءَ مَنْهورِ

من أسرار العربية

أدخلَ العربُ أحرفاً على بعض الكلماتِ، فأعطتها معاني أخرى، نعرضُ بعضاً منها: عُجْرَم: الغَليظ، والميم فيه زائدةٌ. الأصْلُ العَجَر: الحَجْم والنُّتُوُّ، والأعْجَر: كُلُّ شيءٍ فيه عُقَدٌ.

عُرْقوبٌ: عَقَبٌ مُوَتَّرٌ خلْفَ الكعبين. وعَرقَبتِ الدّابة: قطعتْ عُرقوبَها. وهذا ممّا زيدت فيه الرّاءُ، والأصل العَقِب للإنسانِ وَحْدَه، ثمّ جُعلَ العُرْقوب لهُ ولِغَيْره. ويُستعار العُرْقوب، فيُقال لِمُنْحنىً من الوادي فيهِ الْتواءٌ شَديدٌ؛ قال الشاعر:

ومَخُوفٍ مِنَ الْمَناهِلِ وَحْشٍ

ذي عَراقيبَ آجِنٍ مِدْفانِ

عُقْبول: بَقيَّة المرض، واللّام زائدةٌ، إنَّما هو مَرَضٌ يَعقُبُ الْمَرضَ العَظيم. عَقْرب: مَعْروفةٌ، والباء فيهِ زائدةٌ، وإنَّما هو مِنَ العَقْر، ثُمّ استُعير للّذي يَؤذي النّاس؛ يقالُ: إنَّه لتَدِبُّ عَقاربُه. كَلْثَمة: اجتماعُ لَحْمِ الوَجْه مِنْ غَيْر جُهُومة، زيدَت فيه اللّامُ، وإنَّما هو منَ الكَثْم، أي الامْتلاء. لَعْثَم.. تَلَعْثَم عن الأَمر: نَكَلَ وتمكَّث وتأَنَّى وتبصَّر، وقيل: التَّلَعْثُم الانتظار. نِبْرَاس: المِصباح؛ النُّون زائدة، لأَنه مشتقّ من البُرْسِ الذي هو القطن، إذِ الفتيلةُ في الأَغلب تكونُ من قُطْنٍ.

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم: «احتارَ الناسُ في الأمرِ»، والصوابُ «حارَ الناسُ..»، لأن معنى حارَ: تردَّد وشكَّ. ويقولون: «ما زُرْتُه أبداً» والصحيح «ما زُرْتُه قطُّ»، لأن «قطّ» تؤكّد نفيَ الماضي، و«أبداً» تؤكّد نفيَ المستقبل؛ قال الفرزدق:

ما قالَ لا قطّ إلّا في تشَهُّدِهِ

لَوْلا التشَهُّدُ كانت لاؤه «نَعمُ»

يقولُ بعضُهم: «وقد أَجْهَشَ فلانٌ بالبِكاء»، بمعنى انخرط في البكاء، لكن «أجْهَشَ وجَهِشَ»، معناهما تَهَيّأَ. قال لَبيد:

قامَتْ تشكَّى إليَّ النَّفْسُ مُجْهِشَةً

وقَدْ حَمَلْتُكِ سَبْعاً بَعْدَ سَبْعِينا

من حكم العرب

ازرعْ جميلاً ولو فِي غَيْرِ مَوْضِعهِ

فَلا يَضيعُ جَميلٌ أيْنَما زُرِعا

إنَّ الجَميلَ وإنْ طالَ الزَّمانُ بِهِ

فَلَيْسَ يَحصُدُهُ إلَّا الَّذي زَرَعا

البيتان لأبي الفتح البستي؛ يحثّ فيهما على ألّا نبحث عن بَلْسمٍ لِجِراحِنا، لأنّ الأدوية بين أيدينا، فلنعش بعفويّة، ونصنع الخير، لأنّ هذا سيؤتي أكله خَيْراً، لأن الجمائل كنوز لا تفنى. والماء ينفع أينما وقع، ولا نبخل بشيءٍ، لأنّ كل الطرق أمامنا ستكون معبّدةً. 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"