التحول الاقتصادي.. النمـــوذج الإماراتـــي

21:40 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *
الإمارات والسعودية شرعتا في سياسة ليست بعيدة عن التوجهات العامة للصفقة الخضراء الجديدة. هي سياسة نميل إلى تسميتها بسياسة التحول الهيكلي الاقتصادي النوعي (Economic transformation). هي أعمق وأشمل من سياسة التنويع الاقتصادي (Economic diversification). دعونا نستعرض أولاً ماهية سياسة التحول الهيكلي الإماراتية ذات الوجهة الاقتصادية الخضراء، اتساقاً مع استحقاقات تغير المناخ ومع التوجهات الاقتصادية التحولية النوعية العالمية.
في يناير 2012، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، مبادرة الاقتصاد الأخضر تحت شعار: اقتصاد أخضر من أجل تنمية مستدامة. في إطار هذه المبادرة، تسعى دولة الإمارات إلى أن تصبح مركزاً عالمياً ونموذجاً ناجحاً للاقتصاد الأخضر الجديد، بهدف تعزيز تنافسية الدولة واستدامتها والحفاظ على بيئتها للأجيال القادمة، وذلك إضافة إلى كونها مركزاً لتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء، والحفاظ على بيئة مستدامة لدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل، توازياً مع توفير الحماية للبيئة.
شملت المبادرة مجموعة من البرامج والسياسات في مجالات الطاقة والزراعة والاستثمار والنقل المستدام والسياسات البيئية والإنشائية الجديدة. وقد استهدف المجال الأول للطاقة الخضراء، تعزيز إنتاج واستخدام الطاقة المتجددة؛ وشمل المجال الثاني، السياسات الحكومية الهادفة إلى تشجيع الاستثمار في الاقتصاد الأخضر وتسهيل إنتاج واستيراد وتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء؛ واهتم المجال الثالث بتطوير سياسات التخطيط العمراني التي تحافظ على البيئة وترفع كفاءة الإسكان والمباني بيئياً؛ أما المجال الرابع فقد خُصّص لوسائل التعامل مع آثار تغير المناخ، وتعزيز الزراعة العضوية، والحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية التوازن البيئي؛ واستهدف المجال الخامس، ترشيد استخدام الموارد المائية والكهرباء والموارد الطبيعية وإعادة تدوير المخلفات. واستهدف المجال السادس، تطوير وتعزيز التكنولوجيا الخضراء.
وفي نوفمبر 2015، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عن استراتيجية الإمارات للطاقة 2050. وتهدف الاستراتيجية إلى زيادة مساهمة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الإجمالي إلى 50%، وتحقيق توازن بين العرض والطلب على الطاقة، وضمان بيئة اقتصادية مواتية للنمو في كل القطاعات. ويتم تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال «مبادرات الاستدامة الإماراتية»، والتي تتضمن: زيادة كفاءة الاستهلاك بنسبة 40% للأفراد والشركات، وتأمين طاقة نظيفة بنسبة 50%، وخفض البصمة الكربونية بنسبة 70%. كما وضعت إمارات أبوظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة، لنفسها مبادرات تشمل بالنسبة لأبوظبي: تحويل النفايات بنسبة 15%، وتوفير في الطاقة بنسبة 22%، وتوفير المياه بنسبة 32%، وطاقة متجددة ونظيفة؛ وبالنسبة لدبي: 20% طاقة متجددة، و30% توفير في الطاقة، و30% توفير في المياه، وتأمين طاقة نظيفة بنسبة 75%؛ وبالنسبة للشارقة: 30% توفير في المياه، و30% توفير في الطاقة؛ وبالنسبة لرأس الخيمة: 20% توفير في الطاقة، وتأمين طاقة متجددة بنسبة 20%، و30% توفير في الطاقة.
ولعل كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في القمة الحكومية التي عقدت في دبي في 13 فبراير 2015، والتي أكد فيها أن «أفضل رهان في هذه الفترة الزمنية التي نمتلك فيها ثروة هو استثمار جميع مواردنا في التعليم، لأنه سيأتي وقت، بعد 50 عاماً من الآن، عندما نقوم بتحميل آخر برميل نفط على متن السفينة»؛ وإعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في أعقاب الخلوة الوزارية الموسعة التي عقدت في 30 يناير 2016 في منتجع باب الشمس في دبي، «بأننا سنحتفل بتصدير آخر برميل نفط» – تشكلان كلمتا الفصل في التحول الهيكلي الاقتصادي النوعي (Economic Transformation) الحادث على أرض الواقع في دولة الإمارات، والذي يقارب فكرة الصفقة الخضراء الجديدة، إنما ليست بمواصفات أمريكية أو أوروبية غربية، وإنما بمواصفات محلية إماراتية من نوع ما تسمى التكنولوجيا المُوَطّنة (Localized technology)، أو التغيير التكنولوجي المحلي (Localized technological change).

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"