برنامج «الدفعة الكبيرة» لستالين

21:38 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي *
في الأشهر الأولى لعام 1986 حدثت سلسلة من إعادة التركيبات، حيث ألزم حفنة من الباحثين، أنفسهم بخطوط العمل الحديثة آنذاك، متابعين الرؤى عبر الحدود القديمة. كان الوضع كما لو كانت أحزاب رسم الخرائط تهبط على مواقع متفرقة في قارة كبيرة وغير معروفة.. قارة تزايد العوائد. 
قام الباحثون في مجالات شديدة الاختلاف بالتوجه نحو معاملهم واستعدوا للاستكشاف. وهنا ظهرت ورقة بحثية لبول كروجمان (حاصل على جائزة نوبل عام 2008) حول تزايد العوائد والتجارة. 
وسمّى كروجمان ورقته البحثية ب«الفرقة محدودة التحرك.. المرض الهولندي والعواقب التنافسية ل«مسز» تاتشر: ملاحظات حول التجارة وفي وجود اقتصاد الحجم الديناميكي». وقام بشرح كيف يمكن تطبيق هذه الورقة على الوضع في اليابان وهولندا والمملكة المتحدة 1987. 
الورقة البحثية (الفرقة المتحركة) اعتمدت على الانتشار بدلاً من المنافسة الكاملة عند الحديث عن تزايد العوائد. وقد أشاد بعض كبار الاقتصاديين بتدوين «العمل الجديد» حول المنافسة الاحتكارية الذي أسهم فيه هيلبمان وكروجمان، وسمي بهيكل السوق والتجارة الخارجية، كما أشادوا بظهور نموذج «دیكيست  ستيجليتز»، بما جاء به من نوعيات للمستهلك المحب للتنوع، حيث كان يمكن تصوير مزايا التخصص، وبالتالي التوصل إلى نظرية صارمة للصناعات ذات المنافسة الاحتكارية. كان هذا ما يدور حوله معظم محتوى «الاقتصاد الدولي الجديد»، ولكن لم يتم اكتشاف العلاقة بين التجارة والنمو. 
وفي ورقة بحثية بعنوان «التصنيع والدفعة الكبيرة»، قام ثلاثة من الاقتصاديين الشباب: أندريه شليفر وكيفين مرفي وروبرت فيشني، بإثبات كيف يمكن أن تعتمد الحكومة على الانتشار لتثير النمو الاقتصادي. كان لفكرة «الدفعة الكبيرة» تاريخ طويل في الواقع العملي. كانت سلسلة ستالين من الخطط الخمسية التي بدأت عام 1929 مثالاً على ذلك، وكانت هذه الخطط معتمدة على القناعة بأن الاستثمارات الضخمة في الصناعات الأساسية كالكهرباء والحديد والصلب، ستسمح لروسيا العظيمة بأن تنفصل عن ماضيها الزراعي. 
في عام 1943 قام الاقتصادي الهنغاري بول روزنشتاین  رودين، بإعطاء الاستراتيجية اسمه. إن دفعة كبيرة ناجحة قد تعمل جيداً في أي دولة غير نامية، وقد تؤدي هذه الدفعة إلى إخراج بعض الأفراد من المزارع إلى المدن، ومن ثم إلى المدارس. 
ولكن كان هذا النوع من التحول باهظ الثمن. فمن غير المتوقع أن يقوم أصحاب العمل بالاستثمار في التعليم؛ لأنهم لن يتمكنوا من الحصول على عائد على استثماراتهم. كما لا يمكن الاعتماد عليهم لتطوير البنية التحتية، نتيجة أن الجميع يستفيدون دون أن يدفعوا المقابل الذي ستخلقه لهم الفوائد غير القابلة للتجزئة. 
الحكومات وحدها هي التي قد تتوقع أن تكون لديها ميزانية كافية لتتحمل التكاليف الثابتة المرتفعة، والقوة الكافية لتجبر الآخرين على الطاعة. والتغذية الاسترجاعية الإيجابية ستقوم بباقي العمل.
ولكن تم تجاهل ورقة الاقتصادي الهنغاري من قبل التيار الرئيسي في المهنة، علماً بأن الاقتصاد عام 1943 كان على وشك القيام بدفعة ذاتية قوية نحو إضفاء الطابع الرسمي. وقد ساعدت ورقة رودين البحثية عن «الدفعة القوية» على خلق تقسيم واضح بين الاقتصاديين «النيوكلاسيكيين» الذين عملوا في الاقتصاديات الصناعية والاقتصاديين الآخرين الذين عملوا على مشاكل الدول الأقل تقدماً. وأدى نموذج الدفعة الكبيرة إلى قيام جميع أنواع المناقشات حول تنسيق الاستراتيجيات الاستثمارية.
قام الاقتصاديون الشباب الثلاثة بوضع النماذج التي صممت لإثبات كيف يمكن أن يعمل برنامج بحجم برنامج «الدفعة الكبيرة لستالين»، على الأقل على مستوى النظرية، كيف يمكن أن تتحول دولة من نظام إنتاج الأكواخ إلى نظام صناعي في وقت قصير نسبياً. الحكومات تستطيع أن تعدل من طبيعة تدخلها؛ لأن الانتشار سيعوض قيمة الاستثمارات التي قامت بها الحكومة عدة مرات. بطبيعة الحال لم يقل أحد إن الحكومات وحدها هي القادرة على خلق دفعة قوية.
* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"