كان رسالة وصار تجارة

01:12 صباحا
قراءة دقيقتين

الموسم الأعلى سعراً بدأ، هل يجوز القول إن التعليم كان رسالة وصار تجارة؟ ربما في القول مبالغة بالنسبة لهؤلاء الذين يحتفظون بالضمير المهني، وما زالوا يضعون في رأس قائمة أولوياتهم «رسالة التعليم» والواجب الذي يؤدونه في سبيل تنشئة أجيال واعية ومتعلمة ومثقفة، أما بالنسبة للآخرين فالتعليم صار أهم «بيزنس»، والمعلّم أصبح رجل أعمال يجني ثروة من الدروس الخصوصية التي تصل إلى أعلى سعر مع نهاية العام الدراسي، واقتراب موعد الامتحانات وتزداد ارتفاعاً لطلبة الثانوية العامة!
نضطر كثيراً للعودة إلى الزمن الجميل، الذي لم نعد نعني به السبعينات والستينات وما قبلها، إنما السنوات القريبة الماضية صارت بالنسبة لما نعيشه اليوم زمناً جميلاً نفتقده، واليوم نتحدث عن تلك السنوات التي كانت فيها الدروس الخصوصية حالة استثنائية لا يلجأ إليها إلا التلميذ الضعيف دراسياً، ويعتمدها طلبة في فصل الصيف من أجل التقوية في بعض المواد التي اجتازوها خلال العام الدراسي بصعوبة، بينما الدروس الخصوصية اليوم تحصيل حاصل والمستثنون منها قلة قليلة وكأنهم عباقرة، لماذا؟ ما السبب الحقيقي وراء تحوّل الدروس الخصوصية من حالة استثنائية لدعم طالب يعاني من ضعف في مادة أو تعثر دراسي، إلى ظاهرة منتشرة بقوة؟
رغم أن المدرّسين هم الأكثر استفادة من هذه الظاهرة، إلا أنهم آخر من يقع عليه اللوم في التسبب بانتشارها وتحوّلها من حالة خاصة إلى حالة عامة، فهل يتحمل الأهل المسؤولية الأولى ويُعتبرون السبب الرئيسي في تضخيم الاستثناء وجعله أمراً لا بد منه، لأنهم يسهلون على أنفسهم ويستسهلون المتابعة التعليمية للأبناء في المنزل عبر الاتكال على مدرّسين يحضرون إلى البيوت أو يفتحون بيوتهم لاستضافة الطلبة، ويضمنون بذلك نجاح أبنائهم؟ أم أن الأداء التعليمي في المدارس أصبح دون المستوى المطلوب من الطلبة في زمن التعليم المتطور ما يستلزم بشكل ضروري الاستعانة بمدرسين خارج المدرسة؟
لا يدفع الأهل الثمن المادي باهظاً فقط، حيث تشكل تكاليف الدروس الخصوصية أعباء كبيرة ترهق ميزانية الأسرة وتستنزف أموال وجهود أولياء الأمور، إنما يدفع الأبناء ثمناً أكبر بتشتتهم بين نظام تعليمي حديث يحثهم على إعمال العقل والتفكير والتحليل وبذل مجهود ذاتي للفهم وحل الواجبات والامتحانات، ونظام يعيدهم إلى التلقين والاعتماد على المدرّس لحل الواجبات وإنجاز المشاريع المطلوبة منهم.
الطالب الذي يدفعه الأهل إلى بذل مجهود أكبر من أجل الاعتماد على ذاته في الحفظ والتطبيق في المنزل دون الاستعانة بدروس خصوصية ليس بالضرورة عبقرياً، بل هو مجتهد يتعود منذ الطفولة على الاعتماد على ذاته، وتنمية قدراته، لذلك نستغرب هذا الاستسهال الذي جعل من «الدروس» كما يسمونها باختصار أمراً طبيعياً ومتفشياً بين الطلبة، والأغرب أن تلجأ إليه عائلات ما زال أطفالها في الروضة والابتدائية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"