عادي

المفاوضات النووية.. خيارات محدودة

23:07 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد عباس ناجي *
على الرغم من أن المفاوضات التي بدأت في فيينا حول الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «4+1» بمشاركة أمريكية غير مباشرة، تجاوزت شهرها الثالث عشر، فإنها لم تصل إلى نتيجة واضحة حتى الآن، فلا هي انتهت بالإعلان عن صفقة جديدة تعزز من احتمال استمرار العمل بالاتفاق النووي، ولا الأطراف المشاركة فيها أكدت فشلها وأعادت الأزمة النووية الإيرانية إلى مربعها الأول من جديد.

هذا الوضع الذي يتسم بالجمود، منذ انتهاء آخر محادثات بين الأطراف المشاركة في 11 مارس/آذار الماضي، أصبح يفرض مأزقاً حرجاً أمام معظم هذه الأطراف. أول مؤشرات هذا الموقف يتمثل في عدم إعلان مصير هذه المفاوضات حتى الآن. فكل طرف ينتظر من الآخر اتخاذ الخطوة الأولى في هذا السياق، لتجنب تحميله المسؤولية عن أي فشل محتمل للمفاوضات وإهدار كل الجهود التي بذلت منذ بداية التفاوض في إبريل 2021، وما يرتبه ذلك من عواقب عديدة على المستويات المختلفة.

مسارات غامضة

لا تبدو إيران مطمئنة إلى المسارات المحتملة للمفاوضات. فإذا قبلت في النهاية بالوصول إلى صفقة لا تستوعب شروطها، خاصة فيما يتعلق بالضمانات المطلوبة من الولايات المتحدة بعدم الانسحاب مجدداً من الاتفاق، وشطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، فإنها تجازف بالتعرض للموقف نفسه الذي فرضه الانسحاب الأمريكي السابق من الاتفاق في 8 مايو/أيار 2018. وإذا رفضت الصفقة المطروحة عليها، فإن ذلك يضعها أمام مأزق بالغ الخطورة؛ إذ سيكون أمامها خياران رئيسيان كلاهما قد ينتج عواقب وخيمة عليها. أولهما، رفع مستوى الأنشطة النووية، بشكل يسهم في اقترابها من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية، وهو ما يمثل خطاً أحمر لن تسمح به قوى عديدة، لاسيما الولايات المتحدة وإسرائيل. ويعني ذلك أن الخيار العسكري سوف يكون حاضراً في هذه اللحظة، باعتباره خياراً اضطرارياً لمنع إيران من تحقيق ذلك، وهو ما لا يتوافق مع مصالح وحسابات الأخيرة، التي تبدو أبعد ما تكون عن المغامرة بالانخراط في مثل هذه المواجهة العسكرية.

وثانيهما، الاستقرار عند المستويات الحالية في الأنشطة النووية، فيما يتعلق بالإبقاء على مستويات تخصيب اليورانيوم عند 60%. وهنا، فإنها تكون قد حققت الهدف الأساسي للقوى الدولية من الاتفاق النووي، وهو إيقاف التطور المستمر في الأنشطة النووية. وبمعنى آخر، تكون في هذه اللحظة قد منحت تلك القوى «هدية مجانية» طالما سعت الأخيرة إلى الحصول عليها تارة عبر العقوبات، وتارة من خلال التهديد باستخدام القوة، وتارة ثالثة عن طريق المفاوضات.

فضلاً عن ذلك، فإن إيران لن تستطيع بسهولة تمرير هذا الخيار في الداخل، لاسيما بعد أن تبنّى النظام مقاربة تصعيدية تقوم في الأساس على أن إيران لن تقدم تنازلات في هذا الملف، وأن تطوير برنامجها النووي هو حق أصيل لها لا تستطيع أي قوة أن تنتزعه منها.

خيارات محدودة

على الجانب الآخر، لا تبدو الولايات المتحدة بدورها في موقف أكثر أريحية من إيران؛ إذ إن إدارة الرئيس جو بايدن، التي بدأت تدريجياً تمنح الأولوية لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي سوف تجرى في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، تواجه خيارين متناقضين. الأول، أن تحاول إنقاذ الاتفاق النووي وتغامر بالموافقة على شروط إيران فيما يتعلق بالضمانات والعقوبات، وبالتالي تتعرض لمزيد من الانتقادات والضغوط الداخلية التي قد تنتج توازنات جديدة في الكونغرس غير مواتية لها، فضلاً عن الانتقادات والضغوط الخارجية من جانب حلفائها الإقليميين الذين يبدون شكوكاً في الأساس من مدى قدرتها على الالتزام بتعهداتها كحليف استراتيجي رئيسي.

والثاني، أن ترفض المقاربة الإيرانية وتصّر على موقفها الخاص بعدم إمكانية تقديم ضمانات تحول دون انسحاب أية إدارة أمريكية مقبلة من الاتفاق، ورفض شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، وبالتالي تغامر أيضاً بإفشال المفاوضات وإعادة أزمة الملف النووي إلى مربعها الأول من جديد. وهنا، فإن توجهاتها التي تقوم في الأساس على الانسحاب من مناطق الأزمات وتقليل مساحة الاشتباك في الملفات الإقليمية المختلفة، يمكن أن تتعرض لتحدٍ مهم، يتمثل في احتمال أن تقوم إيران باتخاذ خطوات تصعيدية على الصعيد النووي أو تتخذ قراراً سياسياً بالوصول إلى مرحلة إنتاج القنبلة النووية، على نحو سوف يضطرها إلى اللجوء للخيار العسكري الذي لا تحبذ استخدامه في ظل الاستراتيجية الجديدة التي تعتمدها.

فضلاً عن ذلك، فإن فشل المفاوضات يمكن أن يعرض المصالح الأمريكية في المنطقة لتهديدات جدية، خاصة أن إيران قد تتجه إلى رفع كلفة هذه الفشل- الذي سيترافق مع توسيع نطاق العقوبات المفروضة عليها- عبر تكليف حلفائها بمهاجمة تلك المصالح في مناطق تواجدها، لاسيما في العراق وسوريا أو أية دولة أحرى تتعرض لأزمات داخلية أو تمتلك إيران نفوذاً قوياً فيها.

ارتدادات مباشرة

كذلك، تبدو الدول الأوروبية في موقف صعب؛ حيث إن نجاح المفاوضات لا يعني انتهاء الأزمات مع إيران، خاصة أن هناك ملفات خلافية أخرى لا تقل أهمية، على غرار برنامج الصواريخ الباليستية والتدخلات الإقليمية. في حين أن فشل المفاوضات يمكن أن يعزز من احتمالات اندلاع حرب جديدة في المنطقة، وعلى أطراف أوروبا، بكل ما يفرضه ذلك من ارتدادات مباشرة على أمنها ومصالحها؛ حيث إنها دائماً ما تكون الوجهة الأولى التي تتعرض لانعكاسات تصاعد حدة الأزمات في الشرق الأوسط، على غرار ما حدث في الأزمة السورية. أما إسرائيل، فإنها في كل الحالات ترى أن خيار المواجهة مع إيران سوف يكون حاضراً سواء نجحت المفاوضات أو فشلت؛ إذ إنها تبدي شكوكاً في مدى إمكانية التزام إيران بأي اتفاق نووي محتمل، وترى أن هذا الاتفاق لا يفرض قيوداً على تحركاتها من أجل احتواء التهديدات الناجمة عن ذلك. وبالطبع، فإن هذه التحركات سوف يتسع نطاقها في حالة ما إذا فشلت المفاوضات واتجهت إيران إلى تطوير برنامجها النووي رداً على ذلك.

ختاماً، يمكن القول إن معظم الأطراف أصبحت تواجه أزمة خيارات محدودة في مفاوضات فيينا، على نحو يضفي مزيداً من الغموض على المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها في النهاية.

* خبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"