عادي

لافروف في تركيا.. زيارة «القمح الأوكراني»

23:10 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - بنيمين زرزور:
تمت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة الأسبوع الماضي في سياق البحث الحثيث عن مخرج لأزمة تصدير القمح الأوكراني التي تصدرت المشهد في الصراع بين الغرب وروسيا، هذا من حيث المعلن حول أهداف الزيارة التي كانت لها أهداف أخرى غير معلنة تمليها طبيعة الملفات المتشابكة التي تهم كلاً من البلدين.

أياً كانت تلك الأهداف فهي عززت الصورة الإيجابية للدور التركي في الأزمة الأوكرانية؛ حيث استفادت أنقرة من عدد من العوامل في تعزيز ذلك الدور في مقدمتها علاقاتها الجيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا. وقد بنيت تلك العلاقة على اتساع دائرة المصالح المشتركة سواء مع روسيا التي تربطها بأنقرة جغرافياً الممرات المائية الاستراتيجية في البحر الأسود، منفذ الروس القديم الجديد إلى المياه الدافئة في المتوسط، كما ترتبط معها سياسياً عبر شبكة معقدة من القضايا الساخنة بدءاً من الأوضاع على الساحة السورية مروراً بنزاع أذربيجان ثم الحرب في أوكرانيا التي هي موضوع الزيارة الأخيرة.

كما ترتبط تركيا بعلاقات وطيدة مع أوكرانيا فرضتها التعقيدات الاستراتيجية في علاقات أنقرة مع موسكو أولاً، وتوتر العلاقات مع واشنطن بين الحين والآخر، يضاف إلى ذلك طبيعة العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي التي تشهد الكثير من الأخذ والرد.

ملفات الزيارة

وقد تناولت المحادثات بين الجانبين التركي والروسي ملف ممرات القمح الآمنة وسط تقارب في وجهات النظر حول الدور التركي في الأزمة والتي ربما تسير دوريات بحرية لمرافقة سفن نقل القمح الأوكراني.

وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في كلمة له عقب اجتماعه مع نظيره الروسي إن تركيا تدعم خطة الأمم المتحدة لنقل القمح من أوكرانيا إلى الأسواق.

وأكد أن هذه الخطة تسعى لإنشاء ممر لنقل الحبوب والمنتجات عبر البحر الأسود، والتي تراها أنقرة قابلة للتطبيق.

وتعتبر تركيا طلب روسيا من السلطات الأوكرانية إزالة العوائق من أمام جهودها لمحاولات إيصال منتجات الحبوب إلى الأسواق العالمية أمراً مشروعاً.

من جانبه أعلن وزير الخارجية الروسي استعداد بلاده لضمان أمن السفن عند مغادرة الموانئ الأوكرانية، إضافة إلى جاهزيتها لفتح ممر في البحر الأسود، بالتعاون مع الحكومة التركية، في حال وافق الطرف الأوكراني على إزالة الألغام من البحر الأسود.

وينظر إلى موافقة روسيا على هذه المهمة على أنه عامل دفع للدور التركي في الوساطة؛ بحيث يُؤهلها لتحقيق إنجازات في تسوية النزاع مستقبلاً، وهي التي سارعت إلى استضافة أول جولة مفاوضات بين الوفدين الأوكراني والروسي في مارس/آذار الماضي بعد بداية الحرب.

وتنبع خصوصية الدور التركي من كون أنقرة عضواً في حلف شمال الأطلسي. وقد برزت تلك الخصوصية مؤخراً في معارضتها انضمام كل من فنلندا والسويد على الرغم من الإلحاح الأمريكي عليها لعدم الاعتراض، وهذا الاعتراض يبعث على الارتياح لدى الروس الذين يشجعونها على لعب دور أكبر في حلحلة الأزمات المتعلقة بالحرب وعلى رأسها أزمة القمح التي هي السبب المعلن للزيارة.

وقد أعرب الرئيس أردوغان عن مساعٍ يقوم بها لعقد لقاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد لا يكون متاحاً على جناح السرعة، لكنه يبدو مخرجاً من عنق الزجاجة في الوقت الذي بدأت أوكرانيا تتململ من طول أمد الحرب وضخامة الخسائر والأهم من ذلك تأخر وصول الأسلحة الغربية الموعودة لمجابهة الجيش الروسي.

«المنطقة الآمنة» في شمال سوريا

كما تناولت المحادثات بين الجانبين عدداً من الملفات الأخرى التي تفرض نفسها في مثل هذه اللقاءات. وربما يكون الأهم فيها ملف العملية التركية المزمعة لإقامة «منطقة آمنة» على حدودها الجنوبية ضمن الأراضي السورية بعرض 30 كيلومتراً تعتبرها أنقرة الحل الأفضل لردع هجمات القوى الكردية من جهة، وتأمين ملاذ للاجئين السوريين في تركيا؛ حيث تحتدم معركة إخراجهم منها بين الحزب الحاكم وقوى المعارضة في وقت تفرض فيه الانتخابات الرئاسية التركية ضغوطاً داخلية على الرئيس أردوغان.

ويفسر المراقبون الحماسة التركية للعب هذا الدور على خلفية المنطلقات الرئيسية للسياسة الخارجية التي تواجه متاعب في حلحلة عدد من القضايا سواء مع واشنطن التي عارضت تنفيذ الخطة على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس؛ حيث قال صراحة «إن العملية تهدد الاستقرار في المنطقة، وتعرض حياة الجنود الأمريكيين الموجودين في شمالي سوريا للخطر».

وبينما جدد جاويش أوغلو تأكيده ضرورة تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدد وحدة أراضيها وأمن تركيا، كرّر لافروف تصريحاته السابقة عن تفهّمه للمخاوف الأمنية التركية على طول الحدود السورية، والتي عزاها إلى المجموعات «الانفصالية الكردية» التي تدعمها الولايات المتحدة. وهي تصريحات فسّرها المحللون على أنها موافقة ضمنية على عملية تركية محدودة في سوريا.

ويرى الكرملين أن تركيا منفتحة على التفاهم مع الرئيس السوري بشار الأسد في المستقبل، طالما أن أنقرة تحتفظ بالقدرة على ضرب قوات «حزب العمال الكردستاني» بموجب اتفاقية أضنة لعام 1998.

كما يجد الروس فوائد متعددة من الضغط العسكري التركي على «وحدات حماية الشعب» الكردية؛ إذ إنها تقوّض الأساس لوجود عسكري أمريكي طويل الأمد في سوريا.

وقد بات واضحاً أن انشغال موسكو في أزمة أوكرانيا، قلص إلى حد كبير من قدرتها على التدخل الفعلي في لجم العمليات التركية في سوريا. كما أن لدى واشنطن الكثير من المشاغل التي تمنعها من ردع أو معاقبة التحرك التركي المحتمل بشكل فعال.

في الوقت نفسه تواجه تركيا مشاكل مع بعض الدول الأعضاء في حلف الناتو ومنهم اليونان التي هددتها مؤخراً بالرد في حال لم تتوقف أثينا عن تسليح الجزر القريبة من الحدود التركية. ثم يجب ألاّ ننسى ما تعانيه تركيا من خلافات مع دول الاتحاد الأوروبي سواء لجهة عضويتها فيه أو على خلفية قضية اللاجئين التي تفاقمت بعد الحرب في سوريا.

وسط هذه التشابكات قد لا تتعدى الزيارة من حيث مخرجاتها حدود كونها مساعٍ حميدة لتحقيق اختراق ما، ربما في جانب من جوانب الأزمة الأوكرانية، والمرجح هو الجانب الإنساني المتعلق بسد ذرائع الكارثة الغذائية التي تهدد العالم. لكن فصل الجانب الإنساني عن غيره من مكونات وتداعيات الأزمة قد يكون أقرب إلى الأمنيات منه إلى الوقائع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"