عادي
منسوج بخيوط الرومانسية الرقيقة

«ألونج فور ذا رايد» فيلم طبيعي في طريق شاذ

22:01 مساء
قراءة 4 دقائق

مارلين سلوم

نشعر بسعادة وارتياح نفسي حين نشاهد فيلماً ونكتشف أنه «طبيعي» في زمن «غير طبيعي»، حيث أصبح تحويل مسار الأفلام السينمائية والدراما التلفزيونية الأجنبية، وخصوصاً تلك الموجهة للمراهقين والأطفال، بالغصب والإجبار نحو القصص «الشاذة» التي يفرضون فيها وجود أبطال «شاذين»، هو السائد والأكثر انتشاراً؛ وصرنا نهلل للأفلام الرومانسية «الطبيعية» وحكايات الحب الناعمة الرقيقة وسط هذا الكم من العنف بمختلف أشكاله ومواضيعه العائلية والكوميدية والرومانسية، والذي يسيطر على الشاشة والهدف منه طبعاً السيطرة على عقول الشباب والأجيال الجديدة. فيلم «على طول الطريق» أو «ألونج فور ذا رايد» الذي أطلقته منصة «نتفليكس» حديثاً، من تلك الأعمال التي تسليك وتتسلل إليك بهدوء وتعيدك إلى روايات زمان وأفلام زمان.

ما أحوجنا اليوم إلى أفلام عربية مخصصة للمراهقين والشباب، أبطالها مراهقون وشباب، ومواضيعها تبتعد عن المخدرات والإدمان والتحرش والبؤس الذي يستهوي كثيراً صناع السينما العربية وكأنها القضايا الوحيدة التي تجب معالجتها في السينما من أجل مجاراة العصر ومشاكل الشباب الواقعية! لن نمل من التحدث عن ضرورة مواجهة موجة «الشذوذ» والانفلات الأخلاقي الآتية من الغرب بأعمال نصنعها بأياد عربية وبفكر عربي من أجل الشباب العربي، ولن نمل من التحذير من ترك شبابنا للسينما والدراما الغربية تجرفهم بأفكارها الغريبة المسيّرة والمفروضة من قبل مجموعات تتحكم بالرسائل التي يجب بثها إلى العالم أجمع انطلاقاً من أمريكا.

«نتفليكس»، مثلاً، تبث كل الأصناف وتقدم الجيد والخبيث من الأفلام والمسلسلات، وعلينا أن نحسن اختيار ما نشاهده مع الحرص على التدقيق في مضمون العمل وقراءة الإرشادات والملاحظات وما إذا كان يتضمن مشاهد غير مقبولة من وجهة نظرنا وعدم الانجراف خلف العناوين العريضة والتصنيفات، قبل الاستسلام للمشاهدة.

رومانسية

«على طول الطريق» فيلم شبابي رومانسي هادئ، يتميز بأنه مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتبة سارة ديسن صدرت عام 2009، حولته إلى فيلم وكتبت له السيناريو وأخرجته صوفيا ألفاريز. قصة لا ترتكز على تفتح مشاعر الحب ونهاية السنة الدراسية والتخرج من الثانوية العامة، بل على المشاكل الاجتماعية والعائلية التي يواجهها مراهقان بعمر ال18، أودن ويست (إيما باسارو) و إيلي (بلمونت كاميلي)، وكيف يختبئ كل منهما خلف همومه ويخفيها عن المحيطين به، بل يحاول الهروب منها واللجوء إلى العزلة والصمت.

تنجح صوفيا ألفاريز في تجربتها الإخراجية الأولى، هي التي سبق أن نجحت ككاتبة لفيلمين سابقين «إلى كل الذين أحببتهم من قبل» في 2018 واستكملته بفيلم ثان عام 2020. تدور أحداث الفيلم حول أودن الطالبة المجتهدة التي أنهت الثانوية العامة رافضة حضور حفل التخرج باعتباره «سخيفاً» مفضلة التركيز على الدراسة كما فعلت دائماً منذ طفولتها، ما ساعدها على الحصول على منحة جامعية. تقرر، ولأول مرة، الخروج عن إرادة والدتها فيكتوريا (أندي ماكدويل)، وبدل قضاء الصيف بجانبها ومساعدتها في الأبحاث العلمية، تقرر الذهاب إلى والدها روبرت (ديرموت مولروني) للإقامة معه في بلدة كولبي الصغيرة الواقعة على الشاطئ، وقضاء صيف هادئ معه ومع زوجة أبيها هايدي (كيت بوسورث)، فتفاجأ فور وصولها بعدم استقبالهما لها بسبب انشغال والدها بكتابة روايته الجديدة، وانهماك زوجته بمولودتها الجديدة. على عكس المتوقع، تتعامل هايدي مع ابنة زوجها بمنتهى اللطف، تحاول مساعدتها قدر المستطاع لقضاء إجازة سعيدة رغم انشغالها هي بالمولودة الصغيرة، فتأخذها إلى متجرها «كليمانتين» حيث تعرفها إلى 3 فتيات في نفس سنها (18 عاماً) يعملن في المحل في ظل غياب هايدي التام، ماجي (لورا كاريوكي) وليا (جينيفيف هانيليوس) وإستير (سامية فينرتي). تقضي أودن معظم وقتها في العمل في متجر الملابس، وفي المساء تختار ركناً بعيداً قرب الشاطئ لتنفرد بنفسها وتمارس هوايتها في قراءة الكتب.

في هذا الركن تقابل أودن الشاب راكب الدراجة إيلي (بلمونت كاميلي)، لا يتحدثان إلا بعد مرور أيام من التواجد في نفس المكان وفي نفس التوقيت والاكتفاء بالنظر لبعض بصمت، يعرض إيلي على الشابة تعريفها إلى أفضل الأماكن في كولبي، ثم يشجعها على خوض مغامرات بسيطة، من المفروض أن تكون قد عرفتها أو خاضتها في طفولتها، لكنها لم تفعل إرضاء لوالدتها، خصوصاً أن أودن فتاة مسالمة، رزينة، واعية، لم تركب الدراجة يوماً واشترت فستاناً تحبه جداً من أجل حفل التخرج لكنها لم تذهب ولم تستمتع. وفي المقابل، يبتعد إيلي عن كل الشباب والفتيات أبناء بلدته رغم كونه محبوباً جداً، ومعروفاً بمهارته في الألعاب التنافسية بالدراجات؛ فما السر وراء ابتعاد أودن عن ممارسة الحياة الطبيعية لمن هم في مثل سنها، ولماذا يبتعد إيلي عن الجميع؟

واقع مختلف

ديسن تنسج القصة بخيوط الرومانسية الرقيقة وتجعل من الأزمات الشخصية التي يعيشها المراهقان أكثر بروزاً من الرومانسية نفسها، وزادت ألفاريز من استثنائية هذه القصة بجعلها معزولة عن هوس الشباب اليوم بالتكنولوجيا والهواتف والتواصل الاجتماعي، أجواء الصيف والشاطئ والألعاب التي يمارسها الشباب في البلدة وأجواء المكان نفسه تجعلنا نعيش في زمن كأنه بعيد عن هذا الزمن، ومعالجة سلسة لمشكلة فتاة تحاول إرضاء والدتها والتقرب من والدها، لكنها تصطدم بواقع مختلف تكتشف معه أنها تجاهلت رغباتها ولم تعش سنها، لكنها في نفس الوقت تتمكن من منع انفصال والدها عن زوجته هايدي حين تواجهه بحقيقة أنانيته، كما تتمكن من تقريب المسافة بين أمها وزوجة أبيها، وتكتشف نقطة ضعف أمها. كذلك نكتشف سبب انزواء إيلي وما أدى إلى انحراف مسار حياته بشكل تام.

من مميزات العمل، تقديم زوجة الأب غير شريرة بل مرهقة تحتاج إلى مساعدة، ولم نر أيضاً الشر والغيرة بين الفتيات بل قدمن الدعم والمساعدة لأودن؛ أيضاً يتميز العمل باختيار المخرجة ألفاريز للشخصيات، فظهور أندي ماكدويل بكامل تجاعيدها والشيب غزا معظم شعرها، كذلك مولروني مناسب لدور الأب ولم تختر ألفاريز والدين أصغر سناً باعتبار أن ابنتهما لم تتجاوز 18 عاماً. ماكدويل طبيعية كعادتها، تمنح الفيلم ثقلاً وبصمتها بارزة وواضحة رغم اقتصار وجودها على مشاهد قليلة. الشابة إيما باسارو نجمة قادمة، تتألق بأداء هادئ متزن وملامح مناسبة جداً للشخصية، كذلك تشكل ثنائياً جميلاً مع بلمونت كاميلي الممثل المتمكن، الذي يمنح شخصية إيلي جمالاً في الشكل والروح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"