عادي

المد الإلكتروني في مواقع التواصل يضرب حدود الخصوصية

22:28 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: زكية كردي

«المشاركة» كلمة تشعرك بأن حروفها تتفرع أغصاناً تمتد للآخرين، إنها دلالة جميلة تستدعي التأمل في وجودنا الإنساني، وحاجاتنا الأساسية، وكل تلك البديهيات التي نتعامل معها دون توقف، فلا نمانع بأن نستبدل التواصل الحقيقي والمشاركة الحقيقية على أرض الواقع، بالمشاركة على مواقع التواصل الاجتماعي، والانغماس بمحاكاة الشكل السائد للتواصل في عالم اليوم، لسنا نتحدث هنا عن محاولات مرضية لجذب الانتباه، ولا عن هوس الشهرة، بل نتوقف فقط أمام الحالة العامة للمشاركة على مواقع التواصل، والمعايير التي فقدت حدودها أمام هذا المد الإلكتروني.

الإنسان اجتماعي بطبعه، ما يدفعه إلى محاكاة تصرفات الجماعة، لأنه لا يرغب بأن يكون معزولاً عنها، حسب نوارة ونوس، مديرة محل مبيعات، وتقول: «تختلف حدود المشاركة بين شخص وآخر حسب وضعه الاجتماعي والمجتمع الأصغر الذي ينتمي إليه، بالتأكيد لا يمكن للإنسان أن ينسلخ عن جماعته، وأن يتوقف عن احترام معاييرها، وهذا ينطبق على الرجل والمرأة، لكن الظاهر عند نسبة كبيرة من الناس فرض هذه المعايير بقوة على المرأة بنسبة أكبر بكثير، فنرى نسبة كبيرة من النساء والفتيات يتخفين بشخصيات وأسماء وهمية بسبب هذه القيود، منهن من تنشر صور أولادها وزوجها والأطباق التي تحضرها، ومنهن من تكتفي بنشر الأدعية والحكم».

عن مشاركة الصور الشخصية والصور الجماعية بكثرة، تظن ميرا علي، ربة منزل، أن الأمر مختلف تماماً، فنشر الصور الشخصية بكثرة يعطي انطباعاً أن هذا الشخص يعاني الفراغ العاطفي، ويشعر أنه بحاجة إلى التواصل والاهتمام من الآخرين، أما نشر الصور الجماعية، فعادة ما يتعلق بحب الشخص للظهور، أو هذا ما يوحي به، والعادة جرت منذ سنوات أن يجامل الأصدقاء بعضهم بنشر صورهم معاً، ويرفقوا هذه الصور بعبارات مناسبة، وقد تحول الأمر إلى نوع من البروتوكول الإلكتروني، لولا أن أوقفه انتشار الفيروس.

ويعتبر عبدالحميد حمود، موظف مبيعات، أن التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي يجب ألا يؤخذ بجدية، أي أن هذا المكان الافتراضي مرن وقابل لحمل التصورات المختلفة التي نمنحها له، ويقول: «أعتقد أن معظم الناس الذين يلجأون إلى المشاركة عبر صفحاتهم يكونون مدفوعين بحاجة للتسلية والإعجاب والتواصل مع الآخرين، قد يكون تواصلاً عائلياً، وهذه حالة صحية في ظل ظروف حياتنا المتسارعة».

ويضيف أن الجميع يحتاج إلى المدح والطاقة الإيجابية من الآخر، وهذا ما يجدونه عند المشاركة.

وتقول مريم مطر، ربة منزل: «الأشخاص الذين ينغمسون في حياتهم هم في الواقع لا يشعرون بهذه الحاجة، ولا يتعاملون مع مواقع التواصل على أنها جزء مهم في حياتهم، اعتدت أن أعطي قيمة للوقت، وأجيد استثماره، ولأني أركز على الاعتناء بجودة حياتي في الواقع، بعائلتي وأبنائي والمنزل، والعلاقات الحقيقية مع العائلة، أجد أنه لا وقت لدي لمواقع التواصل التي يدمنها الكثيرون، فأنا أتصفحها عادة لدقائق معدودة، ويكون تصفحي لها أشبه بمطالعة مجلة لا أكثر، أما النشر فنادراً ما أهتم بأن أنشر شيئاً لأني لا أؤمن بأن استعراض شخصيتي وأفكاري وصور أبنائي أمر يعنيني في هذا المكان».

«ولعل المحاكاة والتقليد الأعمى هما السبب وراء انسياق معظم الناس لمشاركة يومياتهم وصورهم وتضييع الكثير من الوقت في سبيل هذه المشاركة التي لا يتساءلون في الحقيقة عن الدافع خلفها»، حسب عمار الخطيب، مدرس لغة عربية، ويقول: «عندما أسأل الكثير من أصدقائي عن سبب نشر صورهم، لا يجدون جواباً غير أن الجميع يفعل هذا، البعض يرى أن وسائل التواصل باتت الوسيلة الأسرع لنشر الصور ليراها الأقارب والمحبون، لكن السبب الحقيقي لا أحد يعلمه».

ويضيف أن الصور الشخصية والعائلية كانت تعتبر في السابق من الأشياء الخاصة التي لا تجوز مشاركتها إلا مع المقربين جداً، إلا أن هذه المعايير تكسرت بتأثير المد الإلكتروني، كما تأثرت الكثير من الحدود التي تتعلق بالخصوصية والعادات.

عدوى اجتماعية

حول خطورة استمرار مواقع التواصل الاجتماعي في دفع حدود الخصوصية، في سبيل حب المشاركة، أوضح د. أحمد العموش، عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية والإنسانية في جامعة الشارقة، أن المحاكاة أصبحت أشبه بعدوى اجتماعية غير عاقلة تشكل خطراً على الحياة الخاصة للفرد والأسرة وقدسيتها.

ويضيف العموش: «في الماضي كانت الخصوصية مقدسة لها حدود واضحة للجميع، هذه الحدود تحمي كيان الفرد والأسرة التي نفخر بها كمجتمع عربي، لكن مد مواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا دفع بحدود الخصوصية وضيع معاييرها، فدنّس هذا المفهوم وتم تعميم الخصوصية، وهذه إشكالية خطيرة لفهم ملامح التركيبة الاجتماعية ومنظومة العلاقات على المستوى الأكاديمي، أما على المستوى المنظور والمباشر، فنلاحظ بلا شك أن هذه الظاهرة أثرت على حياة الكثيرين، فكانت خلف الكثير من المشاكل بمختلف أنواعها النفسية والاجتماعية، وكانت خلف تفشي ظاهرة التفكك الأسري بأساليب مختلفة، كما أن الكثيرين تعرضوا للاستغلال أو الجريمة أو التلاعب بسبب نشر خصوصياتهم ومعلومات تخصهم دون أن يحتاطوا للعواقب».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"