سوبرمان

00:53 صباحا
قراءة دقيقتين

في أحد بلدان ما وراء البحار، كان «ستيورات بنسن» صاحب سلسلة شركات مرموقة في قطاع المال والأعمال والسياحة، ومدير مصرف شهير يملك حصة كبيرة فيه؛ يترأس اجتماعاً لمجلس إدارة البنك يشرح خلاله بعض الاستراتيجيات الإدارية، فأثار إعجابه أحد الشبان الطموحين واسمه «جيمس ستيف».
كان الشاب الطموح انعكاساً لستيورات في مرحلة شبابه؛ ما دفع الأخير إلى تكليفه بعدة مهام ومسؤوليات إدارية، ثم عينه لاحقاً رئيساً للبنك. وبعد انقضاء فترة إضافية أثبت الشاب خلالها كفاءته العالية، أوكل إليه مهام إدارة سلسلة فنادقه، وبعدها إدارة مكاتب السفريات، وصولاً إلى إدارة شركات النقل والشحن، ثم مكاتب الاستشارات؛ حتى أصبح بمثابة نائب يمثل «ستيورات بنسن» في جميع مشاريعه وأعماله.
طبعاً «جيمس» لم يكن ليرفض أي أعمال تُعرض عليه مهما كان التحدي صعباً. وفي مقابل هذه الحماسة والدافعية كان يُكافأ على كل عمل يكلف به بحوافز مالية مجزية وامتيازات خاصة، حتى إنه حظي بمساعدين شخصيين ومكتب سكرتارية في كل قطاع أو جهة يديرها، بدأوا ينوبون عنه بسبب ازدياد المهام الموكلة إليه في اتخاذ القرارات المهمة، وتسيير شؤون العمل برغم قلة خبرتهم.
استمر الوضع على هذا المنوال بسبب انشغال جيمس المتكرر، فبدأت الشركات تضعف إدارياً. صحيح أنها لم تصل إلى مرحلة الإفلاس، لكن أداءها وإيراداتها كانا في تراجع مستمر، عكس ما هو متوقع. غير أن ثقة صاحب المال في جيمس كانت فوق كل اعتبار.
وفي يوم من الأيام وافت المنية «ستيورات»، فتولى ابنه «جاك» زمام الأمور. كان الابن على اطلاع دائم بأعمال والده، لكنه لم يعجب قط بطريقة إدارة تلك الأعمال؛ فقام على الفور بإحداث تغييرات كان على رأسها إعادة «جيمس» لإدارة البنك، وتكليف أشخاص آخرين بإدارة بقية الشركات، حتى يتفرغ الرجل للأعمال الموكلة إليه، وينجز المهام المنوطة به على أكمل وجه.
قال الله تعالى في سورة الأحزاب: «ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه»، ويقول المثل «صاحب بالين كذاب». في بعض الأحيان نثق بشخص معين فنأتمنه على عدة مشاريع أو أعمال تخصنا، متناسين أن كل إنسان له سقف وحدود مهما كانت قدراته استثنائية.
إن إيماننا بقدرات شخص معين يجب ألا يعمي بصيرتنا عن حقيقة أنه لا وجود لسوبرمان إلا في عالم الخيال ودور السينما. فلا يوجد إنسان على وجه الأرض - مهما بلغ من تفرد - بوسعه إنجاز مهام متعددة ومختلفة عن بعضها من حيث الطابع والنوعية. لهذا، يجب أن نفتش في كل نطاق عمل عن الشخص المناسب له، لا أن نعهد بجميع أعمالنا إلى شخص واحد، فتكون العاقبة هي الفشل الذريع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"